للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنِّي طَرَقْتُه -أيُّها الأَمِير- في بعضِ الأوْقَاتِ، فلَّا قَربتُ من الحِلَّةِ، وإذا أنا بعَطْعَطَةٍ وزعْقَاتٍ، فأجرَيْتُ فَرَسي فإذا أنا بأهْلِ الحِلَّة في حَرْبٍ عظيمٍ وأمْرٍ مَهُولٍ، فتقدَّمْتُ إلى أوَّلِ بيْتٍ لقِيَنِيّ، فقُلتُ: يا أهل البَيْت، أنعَمُوا صَباحًا، فخرجَت وُليدَةٌ سَوْداءُ فقالت: وأنت نعِم لك الصَّبَاح. قُلتُ: ما أوْقَع الحَرْبَ بين هذين الفَيْلَقَين؟ فقالت: إعْلَم أنَّ طَرَّادَ بن خَشْرَم له ابنَةٌ يُقال لها صَيْقَل من أحْسَنِ النّسْوَان، لم يَرَ أحَدٌ مثلها، وأنَّ خُفَاف بن نُدْبَة كان وَدًّا لوالدِها وصَدِيْقًا، وكان يَطْرقُهُ كَثِيْرًا ويُقِيم عندَهُ، فرأتْهُ ابنَتُهُ ورآها فتحابَبَا وتعاشَقَا، وزادَ ذلك حتَّى فَشَا في الحَيّ، فلمَّا كان قَرِيبًا وَجَّهَ يهًدّدُه، ويقُول له: واللَّهِ لئن لم تُزَوِّجني لأكْبِسَنَّ الحِلَّةَ ولأدُوْسَنَّها ببَني قُشَيْر، فقال له: ما أنت إلَّا أهْل لذلك، ولكن قد فَشَا الحَدِيْثُ بين أهْلِ الحَيّ، وأنا أكْرَهُ القَالَة القَبِيْحَةَ، فعَاودَهُ فسَبَّهُ، وخَرَج خُفَاف مُغْضبًا يَزْأَرُ، ولم نَشْعُر بهِ حتَّى طَرَقَنا البَارِحَةَ بُسْحرة (a)، في بَني أبيهِ من بَني قُشَيْر وأحْلَافِهِم من عَجْلان وطَيِّءٍ، وقد طَحَنُوا الحِلَّةَ طَحْنًا، فلمَّا سمعْتُ ذلك تَهَلَّزْتُ (١) للحرْب، وأرَدْتُ أُرِي أهْلَ الحِلَّة شَجَاعتي وفُروسِيَّتي، وتنَكَرْتُ، واخْتلَطْتُ ببَني أَسَدٍ، ثمّ خرجتُ بين الصَّفَّيْن والقَوْمُ زَرْدقًا (٢) زَرْدقًا، فضَرَبْتُ مَيْمَنَةً ومَيْسَرةً وقَلْبًا وارْتَجَزْتُ وقلت: [من الرجز]

مَنْ منْكُم يَنْشَطُ للنُّزُول … إلى شُجَاعٍ بَطلٍ بُهْلُول

يُفَرِّق الجَمْعَ ولا يَزُول … يُرْدِيكُم من فَوْق ذي الخُيُول

حتَّى يُغَادِي جَيْشَكُم مَفْلول


(a) ب: لسحرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>