سَمِعْتُ وَالدِيّ، يرَحِمَهُ اللّهُ، يقُول: جَمعَ تاجُ الدَّوْلَة الأخْرَسُ ابن رِضْوَان جَمَاعَة من الأُمَراء والأجْنَادِ وأدْخَلهُم إلى مَوضِع بالقَلْعَة شبيهٍ بالسِّرْداب أو المَصْنعَ لينظرُوه، فلمَّا حصَلُوا كلّهُم فيه قال لهم: أيْشٍ تقُولونَ فيمَن يَضْربُ رقابَكُم كُلَّكم هَا هُنا، فتضَرَّعوا إليهِ، وأيْقَنُوا بالقَتْل، وقالوا: يا مَوْلَانا، نحن مَمَالِيْكُك وبحُكْمك، وخَضَعُوا له حتَّى أخْرَجَهم، ثمّ إنَّهم خَافُوا على أنْفُسهم منه فاجْمَعُوا على قَتْله فقَتلُوه.
وقال لي الأَمِيرُ بَدْرَانُ ابن جَنَاح الدَّوْلةَ حُسَيْن بن مَالِك بن سَالَم: كان جَدِّي مَالكٌ من جُمْلَةِ الأُمَرَاءِ الذّين فَعَل بهم (a) ذلك، فلمَّا نَزَل من القَلْعَة سَار عن حَلَب إلى قلعَة جَعْبَر، وتَرَك المقام بحَلَبَ خَوْفًا على نَفْسهِ.
قال: ومَضَى أكْثر الأُمَرَاء من حَلَب من خِدْمته إلى أنْ قُتِلَ؛ عَمِلَ عليه لُؤْلُوٌ الخَادِمُ مَمْلُوكُ أبيهِ مع جَمَاعَةٍ من الأُمَرَاءَ، فقَتلُوه.
قال: ثُمّ إنَّ لُؤْلُؤ خَافَ فأخَذَ الأمْوَال منِ قَلْعَة حَلَب، وسَار طَالِبًا بلاد الشَّرْق، فلمَّا وصَل إلى دَيْر حَافر قال سُنْقُر الجَكَرْمشيّ: تَتْركونَهُ يقْتُلُ تاجَ الدَّولَة، ويأخُذُ الأمْوَال، ويَمْضِي! فصَاح بالتُّرْكِيّة - يعني: الأرْنَب الأرْنب، فضَرَبُوه بالسِّهَام فقَتَلُوه.
قال: ولمَّا هَرَب لُؤْلُؤ أقامت القَلْعَةُ في يَدِ آمِنَة خَاتُون بنت رِضْوَان يَوْمَيْن، فلمَّا قُتِلَ لؤلُؤ، مَلَّكوا سُلْطان شَاه بن رِضْوَان. هكذا قال لي.
ولُؤْلُؤ هو الّذي نَصَب سُلْطان شاه بعد قَتْل أخيه، وبقي سَنَة وثَمانية أشْهُر يُدَبِّر دَوْلَته.