للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالشَّام، فاتَّفقَ أنَّ فَرُّخْشَاه بَلَغَ وأدْرَك وتأسَّد، وكانت زَوْجة زَنْكيِّ السُّكْمانيَّة تُرَبِّيه ففَهَّدتهُ، وحدَّثَته نفسُه بالمُلْك، وكان نَصِيْرُ الدِّين جَقَر (a) نائبَ زنْكِي بالمَوْصِل، وكان ظَالِمًا، فرَكِبَ في بعضِ الأيَّام، ودَخَل إلى دَار المَلِك للتَّسْليم عليه فقُتِلَ في الدِّهْلِيْز، وأرْكبوا المَلِك، ودَخَلَ القَلْعَة فقُتِلَ بها.

وكان أخُوه ألْب أَرَسْلَان معْتَقَلًا بسِنْجَار، فسَارَ زَنْكِي إلى المَوْصِل، وأخْرَج ألْب أَرَسْلَان من مُعْتقَله بسِنْجَار، وعَطَفَ عليه، وأوْهمَه أنَّهُ كان في حَبْس أخيهِ فَرُّخْشَاه، وعاد زَنْكِي إلى حَلَب واسْتَصْحَب معه ألْب أَرَسْلَان، ثمّ جاء إلى حصَار قَلْعَة جَعْبَر وألْب أَرَسْلَان معه، وحَصَرَها إلى أنْ قُتِلَ بها على ما هو مَشْروحٌ في تَرْجَمَتِهِ (١)، وافْتَرَقت عَسَاكره، فَمضَى نُورُ الدِّين مَحْمُّود بن زنْكِي إلى حَلَب، واسْتَمال جَمالَ الدِّين مُحَمَّد بن عليّ بن أبي منْصُور المَلِك ألْب أَرَسْلَان، وأطْمَعَهُ في المَمْلكَة، وكاتَب زَيْنَ الدِّين عليّ كَوجَك على أنْ يَسْتَدعي سَيْفَ الدِّين غَازِي بن زَنْكِي، وكان في خِدْمَة السُّلْطان مسْعُود بأمْر وَالده زَنْكِي ليأمن غَائلَة السُّلْطان ومَكَائِده، فاتَّفَقَ وُصُول الخَبَر إليه وهو بشهرَزُور، فدَخَل المَوْصِل، ثمَّ دَخَل جَمال الدِّينِ والعَسْكَر، وبَقِي المَلِك ألْب أَرَسْلَان مُنْفَردًا فاسْتَوْحشَ، وطَلَب صَوْبَ الجَزِيْرة، فسَيَّرُوا في طَلَبه مَنْ دَاهنَهُ وأظْهَر له الطَّاعَة والعبُوديَّة عن غَازِي، وأنَّهُ إذا فارَقه زَالت عنه سِمَةُ الأتَابِكيَّة، فلا تُشمتْ به أعْدَاءَهُ، وَأنَّهُ سَيأخُذ البِلاد باسْمِكَ، فأجابَهُم ودَخَل المَوْصِلَ في أُبَّهةٍ جَمِيلةٍ واسْتِقْبالِ ونثَارٍ حتَّى دَخَل الدَّار فَخَنقُوه، واتَّفَقَ غَازِي مع نُوَّابِ أبيهِ: زَيْنِ الدِّين وجَمالِ الدِّين والدُّبَيْسيّ، وكان ذلك في سَنَة إحْدَى وأرْبعين وخَمْسِمائَة.


(a) مهملة النقط بهذا الرسم، وانظر ترجمته في مرآة الزمان ٢٠: ٣٥٠ - ٣٥١، ووفيات الأعيان ١: ٣٦٤ - ٣٦٦ (وضبطه ابن خلكان بالحرف: بفتح الجيم وبعدهما راء)، وابن واصل: مفرج الكروب ١: ٩٥ - ٩٦، والنويري: نهاية الأرب ٣٧: ١٤٥ - ١٤٦، والوافي بالوافيات ١١: ١٧٣ - ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>