للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدَّثتنا حَدِيث يَوْم دَارة جُلْجُل. قال: فأخْبَرَهُنَّ بما كان.

قال عَبْد الله بن رَألان (٤) رَجُلٌ من بني تَمِيْمِ، كان رَاوبَةً للفَرَزْدَقِ: قُلتُ للفَرَزْدَق: حَدِّثنا أيضًا به، قال: حَدَّثَني جَدِّي وأنا يوْمئذٍ غُلَامٌ حَافِظٌ لِمَا أسْمَعُ أنَّ امْرَأَ القَيْس كان عَاشقًا لابْنَة عَمٍّ له يقال لها عُنيزَة، وأنَّهُ طَلَبها زمانًا فلَم يَصِل إليها، وكان يطْلُب الغَرَّةَ من أهْلِهِ (b) ليَزُورَها، فلم يَتَّفِق له حتَّى كان يَوْمُ الغَدير، وهو يَوْمُ دَارةِ جُلْجُل، وذلك أنَّ الحَيّ احْتَمَلُوا فتقدَّم الرِّجَال، وخَلَّفُوا النِّسَاءَ والعَبِيْدَ والعُتَقَاء، فلمَّا رأى امْرُؤُ القَيْس ذلك تخلَّف بعد قَوْمه غَلْوَةً، فكان (c) في غَيْبٍ (d) من الأرْض حتَّى مرَّ بهِ النِّسَاءُ، فإذا فتَيَاتٌ ومعَهُنَّ عُنيزَة، فلمَّا وَازَيْن (e) الغَدِيَر قُلْنَ: لو نَزلْنا واغْتسَلْنَا في هذا الغَدِير ليَذْهَبَ عنَّا بعضُ الكَلَال، فقالت إحْدَيْهُنَّ: افعَلْنَ. فنَزَلْنَ، ونَحَّيْنَ العَبِيْدَ عنهُنَّ، ثمّ تجرَّدْنَ ودخَلْنَ الغَدِيَر، فأتاهُنَّ امْرُؤُ القَيْس مُخْاتلًا وهُنَّ غَوَافِلُ، فأخَذَ ثيِابَهُنَّ وهُنَّ بالغَدِير، وقعَد وقال: واللهِ لا أُعْطِي جَارِيَةً منْكُنَّ ثَوْبَها ولو ظلَّتْ في الغَدِير إلى اللَّيْل حتَّى تَخْرج مُتَجرِّدةً (f) وتكُون هي الّتي تأخُذُ ثَوْبَهَا، فأبَيْنَ ذلك عليه، حتَّى تَعالَى النَّهَارُ وخَشِيْنَ أنْ يقصُرْن دونَ المَنْزل الّذي يُردْنَهُ، فخرجَتْ إحْدَاهُنَّ فوضَعَ لها ثَوْبَها ناحِيَةً، فَمشَتْ إليه فأخَذَتْهُ فلَبِسَتْهُ، ثمّ نَتابَعْن على ذلك حتَّى بَقِيتْ عُنيزةُ وَحْدَها، فناشَدَتْهُ الله أنْ يضَعَ لها ثَوْبها، فقال لها: والله لا تَمسِّيْنَهُ دونَ أنْ تَخْرُجي عُرْيانَةً كما خَرجْنَ، فنَظَر إليها مُقْبِلةً ومُدْبرَةً، فوَضَع لها ثَوْبَها فلَبِسَتْهُ.

فأقْبَل النّسْوَةُ عليه فقُلْن له: حَبَسْتَنا وعذَّبْتَنا وجَوَّعْتَنَا! قال: فإنْ نَحَرْتُ لكُنَّ نَاقَتي، تَأَكُلْنَ منها؟ قلنَ: نعم، فاخْتَرَط سَيْفَهُ فعَقَرَها، ثمّ كَشَطَها، وجَمعَ


(a) كذا في الأصل ومثله في خزانة الأدب للبغدادي ٣: ٤٥٦، وجاء في كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة ٤٤ والأغاني: ابن زالان.
(b) الأغاني: من أهلها، وهو الأظهر.
(c) الأغاني: فكمن.
(d) ب: رغيب، الأغاني: غيابة.
(e) الأغاني: وردن.
(f) الأغاني: مجرَّدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>