للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنْشَدَني بَهَاءُ الدِّين أبو مُحمَّد الحَسَنُ بن إبرَاهِيم بن سَعيد بن الخَشَّاب، قال: أنْشَدَني بعضُ أهل مَعَرَّة مَصْرِيْن لَحْمدَان بن عَبْد الرَّحِيْم (١): [من البسيط]

جَادَت مَعَرَّة مَصْرِيْن من الدّيَمِ … مثلُ الّذي جَاد من دَمْي لبَيْنهمِ

وسَالَمَتْها اللَّيالِي في تغيُّرها … وصافحَتْها يدُ الآلاءِ والنّعَم

ولا تناوَحت الإعْصَارُ عاصفةً … بعرْصَتَيها كما هَبَّت عك إرم

حَاكَت يَدُ القَطر في أفنائها حُلَلًا … مِنِ كلّ نَوْرٍ شَنيْب الثَّغْر مُبْتَسم

إذا الصَّبَا حرّكت أنْوارهَا اعتنقت … وقَبَّلت بعْضُها بعضًا فمًا لِفَمِ

كأنَّما نشَرت كفُّ الرَّبيعْ بها … بَهَارَ كِسْرَى مليْك الفُرْس والعَجَم

كم وقفَةٍ لي بباب السُّوْق أذكرُها … مع أُسْرةٍ مَاتَت الدُّنْيا لموتهم

وكم على تَلِّ باب الحِصْن من أربٍ … أدركته عند خلٍّ من بَني جُشَمِ

وكم على الجانب الشَّرْقيّ لي خُلَسٌ … مع فِتْيَةٍ يَدْرؤُونَ الهَمَّ بالهِمَمِ

مُهلهْليُّون لا يألُون في كرم … جهدًا ويرْعَونَ حقّ الجارِ والذّمَمِ

عَاقرتُهم وجَلابيبُ الصِّبا قُشُب … وعَارضي غير مُحْتاجٍ إلى الكَتَمِ

يا ليتَ شِعْري ولَيْتٌ أصبَحَتْ غُصَصًا … هل يَجْمع اللّهُ شمْلي بعد بينهِم

وما كَفَى الدَّهْر منّي أنْ نأى بكمُ … عنّي وغَادرني لحمًا على وَضَمِ

حتَّى أراني حِصَار الكَفر ثانيةً … بناظرٍ غَرْق تحتَ الدُّمُوع عَم

صَبْرًا لعلِّي أرى للدَّهرِ عاطفةً … تدبُّ فينا دبيبَ البُرْءِ في السّقَمِ

فاللّهُ يُعقبُ أهل الصَّبْر إنْ صَبَروا … وصَابَرُوا بنَعيم غير مُنْصَرِم


(١) هو أبو الفوارس حَمْدَان بن أبي الموفق عبد الرحيم الأثاربي (ت ٥٤٢ هـ)، ترجم له ابن العديم في الجزء السادس من كتابه، وهي من أوعب التراجم التي تناولت حياته، والأبيات في الأعلاق الخطيرة ١/ ٢: ١٢ - ١٣، وستة أبيات منها عند ياقوت: مُعْجَمُ البلدان ٥: ١٥٥ - ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>