للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشَيْزَر بَلَدٌ مَوْصُوف بالوَخَامَةِ، وفيه يقُول مُؤيَّد الدَّوْلَة أُسامَة (١): [من الكامل]

وُخِمَتْ (a) وجاوَرَها العَدُوُّ؛ فأهلُها … شُهَداءُ بين الطَّعْنِ والطَّاعُونِ

ولم تزل شَيْزَر في أيدِي بني مُنْقِذ، يسكُنونها ويُحامون عنها ويحفظُونها، إلى أنْ جاءت الزَّلْزَلَة سَنة اثْنَتين وخمسين وخَمْسِمائَة، فهدمَت شَيْزَر وحَمَاة، وقَتَلت صَاحبها مُحمَّد بن سُلْطان بن مُنْقِذ، وهتكت حِمَاهُ، وكان قد ابْتنى دَارًا وزَخْرَفَها، وجَلَس فيها وعنده أولاده وبنو عَمّه وحاشيتَهُ، وهم يتفرَّجون على قِرْد عندهم، فجاءت الزَّلْزَلَة وهَدمت الدَّار عليهم، فلم يَنْجُ منهم غير القِرْد، وبادر نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي إلى شَيْزَر فتسلَّمها وعمر أسْوارها، ودَفعها إلى سَابِق الدِّين عُثْمان ابن دَايَتِهِ (٢)، ولم تزل في عِمَارَة وزِيَادة إلى أنْ أُخِذَت من ابن ابنهِ؛ حَصَرهُ المَلِك العَزِيز مُحمَّد بن المَلِك الظَّاهِر رحِمهما اللّهُ، فتشَعَّثَت أحْوال المَدِينة، وقَلَّت مَعايش أهلهَا لعَدَم سُكْنى العَسْكَر بها.

وأمَّا القَلْعَةُ فأحْوالُها مُنْتظمةٌ، وأمُورُها مُسْتقيمةٌ ملتئمَة، ونَهْر الأُرُنْط يَحُكُّ سَفْح القَلْعَة، وقد بُنى عليه سَكْر (b) ليَجْتَمع الماء تحت القَلْعَة، ويُسَمَّى ذلك المَوْضِع الخِرَطْلَة.

وقد ذكَرَها امرؤ القَيْس في قَصِيدَته الرَّائِيَّة بقَوله (٣): [من الطويل]

تقَطَّعُ أسْباب اللُبانَة والهَوَى … عشيَّة جَاوَزنا حَمَاةَ وشَيْزَرا


(a) في الخريدة والوافي: وَبِئَتْ.
(b) ورد في الحاشية: "هُدم هذا السكر بِزِيَادة العاصي في سنة خمس وأربعين وسبعمائة، كتبه محمد بن السابق الحموي". وقدَّر أبو الفداء ارتفاع هذ السد بما يزيد على عشرة أذرع، (تقويم البلدان ٣٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>