للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمَّا سَارَ آنَسَ بالشَّام (a) من نُور الدِّين نارًا بل نُوْرًا، {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} (١)، فاتَّخَذَ دِمَشْقِ دَارَ هِجْرَتهِ، وغَار أُسْرَتِهِ، ومَبْرَك مَبرَّتهِ، ومَسْرَح مَسَرَّتهِ، ومَجْثَمَ رُبُوضِه، ومَوْسِم سُنَنِه وفرُوضِهِ، ومَرْح مَرَحِه، وبُرْج فَرَحهِ، وبَيْت قَصْدِه، وبَيْت قَصِيْدَته، فأَشْرَقَ عند النُّورِ نُوْره، وانْتَظمَتْ بأمْرِه أُمُوره، ودَرَّتْ أنْوَاءُ إدْرَاره، وذَرَّتْ أنْوار أبْدَاره (b)، فلمَّا خَبَا ذلك النُّور، طُوِيَ المَنْشُور، وأطْبَق الدُّسْتُور، وتَوَلَّى أبو صَالِح (٢)، مُلْكَ المَلِك الصَّالِح، بَدَأ بتَبْطِيْل المَصَالِح، وتَعْطِيل المَنَائِح، ومَنعْ الصِّلَات، ورَفْعِ الصَّدَقَاتِ، وقال للشَّاتَانِيّ: غِبْ وخِبْ، وإذا دُعِيْتَ فلا تُجِبْ، فما لأريبٍ عندنا أَرَب، وما لأدِيْبٍ لدينا إلَّا الدَّأَبْ، والفَضْلُ فضُول، والعِلْم غُلُول، وما عَلمَ العَلَمُ حينئذٍ كيفَ العَمَلُ، وفِيْم الأمَل؛ أيحْتَمل أم يتحَمَّل، أيُغَرِّبُ أم يُشَرِّق، أيُنْجِد أم يُعْرِق، حتَّى تَدَاركَ اللَّهُ ذَماء الفَضْل، ورَعَى ذِمَام أهْلِهِ، بإنَاره صُبْح الحَقّ، وإيْضَاح (c) سُبلهِ، وإعْلَاءِ أعْلَام النَّدَى، وإحْكَام أحْكَام الهُدَى، ووُصُول الرَّايَاتِ المَلكِيَّة النَّاصِرِيَّة إلى الشَّام، وقيامه بنَصْر الإسْلَام، انْتَعَش جَدُّ الكَرم (d) العَاثِر، وحَيي رَسْمُ الجُوْد الدَّاثِرِ، وفَرَّ ذلك الشَّيْطان من ظِلِّ عُمَر، وغَمَّ ذلك الغَمّ (e) ما أفاضَ من البِرِّ وغَمَر، وصَار الشَّام بيُوسُفَ مِصْرَ مِصْرًا آخر بإحْسَانه، قد فَرَّ عَوْن فِرْعَونه وهَامَانه، وبَسَط المَكْرُمَاتِ، وأدَرَّ المَبَرَّات، ورَدَّ الصِّلَات والصَّدَقَات،


(a) ليست في الخريدة.
(b) الخريدة: أبراره.
(c) الخريدة: واتِّضاح.
(d) الخريدة: الكرام.
(e) الخريدة: وغمر ذلك الغمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>