للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وممَّا يَدُلُّ أنَّ هذه الوَاقِعَة كانت مع مُعِزّ الدَّولَة، أنِّي قَرَأتُ في دِيْوان شِعْر أبي الفَتْحِ بن أبي حَصِيْنَة، الَّذي جَمَعَهُ أبو العَلَاء بن سُلَيمان أبْيَاتًا مَدَحَ بها أبا العُلْوَان ثِمَال بن صالح، يَذْكُر فيها غَيْبَةً غابها في عِمارَة دَاره الّتي عَمَّرها بحَلَب، وكان قد تأخَّر عن الخِدْمَة في الحُضُور بحَضْرته أيَّامًا عدَّةً (١): [من الطويل]

وَقَفْنَا فكم هاجَ الوقُوفُ على المَغْنى … غَلِيْلًا دَخِيْلًا من لُبَيْنَى ومن لُبْنَى

وعُجْنَا عليه منذُ عِشْرِينَ حِجَّةً … تَقَضَّتْ فما عُجْنا على الحِلْم مُذْ عُجْنَا

أرَبْعَ التَّصَابي قد فَنيْتَ وحُبُّنا … لأهْلِكَ لا يَبْلَى بلَاكَ (a) ولا يَفْنَى

كأنَّكَ تَلْقى ما لَقِيْنا من الهَوَى … وتَضْنَي لفَقْد الظَّاعِنِيْن كما نَضْنَى

سَألناكَ لو أخْبَرتَنا أين يَمَّمُوا … أَوَعْسَ الحِمَى الأقْصَى أم الأوْعَسَ الأدْنَى

أم الحَيُّ لما أكْدَتِ المُزْن يَمَّمُوا … ثِمَالًا فشَامُوا من أنَامِلِهِ المُزْنَا

لقد نَجَعُوا رَبْعًا خَصِيْبًا من النَّدَى … وصَارُوا إلى مَنْ يَمْنَحُ المُدْنَ لا البُدْنا

فَتَى كَرَمٍ أفْنَى الصَّوَارِمَ في الوَغَى … ضِرَابًا وأَفْنَى بالطِّعَان القَنَا اللُّدْنَا

يدُلُّكَ من كلتَا يَدَيهِ علِىِ الغِنَى … فيُسْرُكَ في اليُسْرى ويُمْنُكَ في اليُمْنَى (b)

هو البَحْرُ إلَّا أنَّنا لا نَرَى له … سِوَى مُوْقَراتِ العِيْس من ماله سُفْنَا

نَظَمْتُ لأَسْنَى الخَلْقَ مَدْحًا وَجَدْتُهُ … سَنِيًّا فأهْدَيْتُ السَّنِىَّ إلى الأَسْنَى

أبا صالحٍ إنْ كُنْتُ في القَوْل مُحْسِنًا … فإنَّكَ قد جَازَيْتَني عنه بالحُسْنَى

وأعْدَيْتَني بالجُوْدِ حتَّى تَرَكْتَني … أجُودُ فأُفْنِي مَكْسَبي قبْلَ أنْ أَفْنَى

تَشَاغَلْتُ أبْني فيك مَدْحًا وأَبْتَني … ففيْكَ الّذي أَبْني ومنْكَ الّذي يُبْنَى

إذا نحنُ جُدْنا أو بَجَحْنا (c) بنِعْمَةٍ … فمنْكَ وممَّا جُدْتَّ ذاكَ الّذي جُدْنَا


(a) الديوان: فناك.
(b) الديوان: فيسرك لليسرى ويمنك لليمنى.
(c) الديوان: نفحنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>