للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الطَّريق بينَهُ وبين طَاشْتكِيْن أمير الحَاجّ مَوَدَّةٌ ومُؤانَسَةٌ ومُكَاتَبةٌ، ووَقَف على الفُقَرَاء وعلى أوْلَاده وُقُوفًا كَثِيرة.

أخْبَرَني ولدُه بَهَاء الدِّين أبو القَاسِم عَبْد المَجِيْد بن الحَسَنِ، قال: سَمِعْتُ وَالدِي يقُول إنَّهُ كان يَقْرأ القُرْآن في صِبَاه بالمَسْجِد الجَامع على رجُلٍ من القُرَّاء يُقال له ابنُ الضُّرَيْبَة، وكان يَقْرأ معه أخُوه أبو الفَضْل بن عَبْد اللَّه بن الحَسَن، قال: وكان أخي ذَكِيًّا فَطِنًا يحفظُ سَرِيْعًا، وكنتُ بَطِيء الحِفْظ، وَاقِف الخَاطِر، حتَّى أنَّني تَعبتُ أيَّامًا في حِفْظ قَوْله تعالَى: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُوم} (١) ولا أحْفَظُها! فقال ابنُ الضُّرَيبة يَوْمًا: لا إلَه إلَّا اللَّهُ، هذا أخُو أبي الفَضْل، فأخَذَتني الأنَفَة على نفسِي وصغرت (a) عندي لذلك، ودَعْوتُ اللَّه تعالَى أنْ يُسَهِّلَ لي حِفْظَ القُرْآن، ثم اجْتهَدْتُ حتَّى بلَغَ من أمْري أنَّني كُنْتُ آخُذ ستِّين آيةً وسَبْعِين آيةً وأحْفَظها.

حَدَّثَّني وَالدِي رَحِمَهُ اللَّهُ، قال: كان للقُطْب أبي عليّ بن العَجَمِيّ جبٌّ فيه حِنْطَة، في دَاره، فأمَرَ بفَتْحه وبيعَ ما فيهِ من الحِنْطَة، ففُتِحَ لتُبَاع الحِنْطَة عند تحرُّك السِّعْر، فوجَدُوا الماء في رَأس الجُبّ فَوْقَ الحِنْطَة، فجاؤُوا إليه وأخْبَرُوه بذلك، فقال: في سَبِيْل اللَّه. ثمّ نَزحُوا الماء، فوَجَدُوه قد جَرَى من قناةٍ إلى رَأس الجُبّ، ولم يَصِل منه إلى الحِنْطَة إلَّا القليل، وفسَد شَيءٌ يَسِيْرٌ من الحِنْطَة، فأُخْبِر بذلك فقال: الحَمْدُ للَّهِ، وقد جَعَلْتُه في سَبِيْل اللَّهِ، لا أرْجِعُ فيه، فأخَذَ ثَمنَهُ، وصَرَفَهُ في ملكٍ اشْتَراهُ بحَلَب، ووَقَفَهُ على فُقَراءِ المُسْلمِيْن.

وحَدَّثَني شَرَف الدِّين أبو حَامِد عَبْدُ اللَّه بن عبد الرَّحْمن بن الحَسَن بن العَجَمِيّ، قال: لمَّا وَقَعَت الفِتْنَة بحَلَب بين السُّنَّة والشِّيْعَة، وهي الفِتْنَة الّتي قُتِلَ ابن


(a) رسْمها في الأصل أقرب لأن تكون: ضفرت.

<<  <  ج: ص:  >  >>