فلا بأسَ أنْ يثنِى (a) بصَالِح فِعْلِهِ … وما خَصَّهُ ذو الفَضْل منهُ بفَضْلِهِ
قَرأتُ بخَطِّ أبي مُحَمَّد الحَسَن بن الحَسَن بن أحْمَد الخَمْكَرِيّ الأدِيْب، وكان من أصْحَاب أبي الحُسَيْن بن فَارِس بن زَكَرِيَّاء اللُّغَويّ، ممَّا أخَذَهُ عن أبي الحُسَين بن فَارِس، قال: وعُرِضَ على الشَّيْخ أبي الحُسَين تَفْسِير الأبْيَات في كتاب إصْلَاح المَنْطِق لابن السِّكِّيْت، من تَصْنِيف أبي مُحَمَّد بن أبي سَعيد السِّيْرَافيّ، فنَظَرَ فيه مَليًّا ثمّ ارْتَضاهُ، وأثْنَى على أبي مُحَمَّد، ثمّ قال: أنا أُفَضِّلُه في الغَرِيْب على أبيه أبي سَعيد رحِمَهُ اللَّهُ، ومُدَّة مقَامي بمَدِينَة السَّلام كان عندي، فقيل للشَّيْخ أبي الحُسَين: يقال إنَّ أبا سَعيْد كان في الغَرِيْب يرجعُ إليه ولا يَأنَفُ، فقال الشَّيْخُ أبو الحُسَين: وليس ذلك بعَيْبٍ، ولكن في هذا الزَّمَن قَوْمٌ يُقَدِّرُونَ أنَّهُ لا يتَبَيَّن فَضْل الرَّجُل وعِلْمهُ وأدَبُهُ إلَّا بنَقْصِهِ الآخر.
ونَقَلْتُ من خَطِّه أيضًا: قُلْتُ للشَّيْخ أبي الحُسَين أيَّدَهُ اللَّهُ: لماذا لَم تُشَاهِد عليَّ بن عِيسَى حين دخَلْتَ بَغْدَادَ؟ فقال: إنَّما تَرَكْتُهُ لمكَان أبي سَعيد السِّيْرَافيّ، رحِمَهُ اللَّهُ، كَرِهْتُ أنْ يَسْتَوْحِشَ منه مع أنَّ عليّ بن عِيسَى كان يَشْكُوني، وأبو سَعيد رَحِمَهُ اللَّهُ في النَّحو كان من الكِبَار المُتَقدِّمين، وأمَّا عليّ بن عِيسَى فقد نَظَرتُ في عِلْمه ولستُ أسْتَحْسِنُهُ، فقُلتُ لَهُ: قيل إنَّهُ هو أسَنُّ من أبي سَعيْد؟ فقال: نعم؛ كَذَا قيل والسَّلام.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عليّ الحافِظُ (١)، قال: حُدِّثْتُ عن أبي الحَسَن مُحَمَّد بن العبَّاس بن الفُرَات، قال: كان أبِو سَعيد السِّيْرَافيّ عَالِمًا فَاضِلًا، مُنْقَطعَ النَّظِيْر في عِلْم النَّحو خَاصَّةً، وكانت سِنُّه يوْم تُوفِّي ثَمانين سَنَةً.