مُحَلَّىً، وهو جَالِسٌ على السَّريْر ورِجْليه (a) على الأرْض، وسَيْف الدَّوْلَة يُقْبِل عليه يُحَادِثه فاسْتَطْرَفتُ ذلك، ولم يكُن في العَرَب كُلِّها مَنْ يَجْلِسُ تلكَ الجَلْسَة مع سَيْفِ الدَّوْلَةِ، قال: ونَهَضَ فإذا هو أبو العَشَائِر، فلمَّا رَأيتُه أُسْقِط في يَدِي، ودَنَا منِّي فقَبَضَ عليَّ، فقُلْتُ: لسَيْف الدَّوْلَةِ: أيُّها الأَمِيرُ، الذِّمَامُ! فقال: ليس على أبي العَشائِر ذِمَامٌ، ثمّ قال له: احْتَفِظ به فإنَّهُ فَرَّارٌ، فلم يَبْقَ فيَّ مَوضِعٌ للمُنَازَعة. فقُلتُ: أيُّها الأَمِير، ما يُمْكنُني الخُرُوج؟ قال: ولِمَ؟ قُلتُ: عليَّ دَيْنٌ وأحْتَاج إلى ابْتِيَاعِ شَعِيْر لدَوَابِّي، وحِنْطَة لغِلْمَاني، وهذا وَجْهُ الشِّتَاء، ولا بُدَّ أنْ أنْظُرَ في أمْري. فقال: كُلّ هذا يَتَنَجَّزُ السَّاعَةَ، ووَقعَّ إلى الدَّارِيْج (١) بكُرَّين شَعِيْرًا، وإلى صَاحِب المَنْثَر بثَلاثة أكْرَار حِنْطَةً، وأطْلَق من خِزَانَته ألفي دِرْهَم، وأمَرَ بحَمْل عَشْر قِطَعٍ ثيَابًا، وحَصَل جميع ذلك وما تعالَى النَّهَار وهو جَالِسٌ في دار سَيْف الدَّوْلَة، فلمَّا حَضَر صَاحِبُهُ وعرَّفه حُصُولَ ما عَدَدْتُه كُلَّهُ، قال: ارْكَب على اسْم اللهِ، فرَكِبتُ ومَضَيْتُ معهُ إلى أنْطَاكِيَة، فما كان يُخْلِيْني من خلْعَةٍ وبِرٍّ وتَفَقُّدٍ، ورُسُومي على سَيْفِ الدَّوْلَةِ مُطْلقةٌ في أوْقَاتها غير مُتَأخِّرة عنِّي بحالٍ، وهذه كانت عَادَاتُ الرُّؤَسَاء في الإفْضَال.
أنْبَأنَا أحْمَد بن الأزْهَر بن السَّبَّاك، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ، عن القَاضِي أبي عليّ المُحَسِّن بن عليّ التَّنُوخِيّ، قال: وأنْشَدَني أيْضًا - يعني أبا الفَرَج البَبَّغَاء - وقال: قُلْتُها بَدِيْهًا في أبي العَشَائِر الحُسَين بن عليّ بن الحُسَين بن حَمْدَان، وكُنْتُ حَاضِرًا، وقد ضَرَب بسَيْفٍ كان في يَده هَامَةَ جَمَلٍ