للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَرَأتُ في كتاب البُلْدَان تأليف أحْمَد بن يَحْيَى البَلاذُرِيّ (١)، ممَّا رَوَاه عن شُيُوخ الشَّام، قالوا: كان حِصْن الحَدَث ممَّا فُتِحَ أيَّام عُمَر؛ فَتَحَهُ حَبِيْب بن مَسْلَمَة من قِبَل عِيَاض بن غَنْم، وكان مُعاوِيَة يَتَعهَّدُهُ بعد ذلك، وكان بنو أُمَيَّة يُسَمُّونَ دَرْب الحَدَث دَرْب السَّلامَة للطِّيرَة، لأنَّ المُسْلِمين كانُوا أُصِيبُوا به، فكان ذلك الحَدَث فيما يَقُول بعضُ النَّاس. قال: وقال قَومٌ: لَقَى المُسْلِمين على الدَّرْب غُلَامٌ حَدَثٌ، فقاتَلُهم في أصْحَابِه فقيل: دَرب الحَدَث.

قال (٢): ولَمَّا كان زمن فِتْنَة مَرْوَان بن مُحمَّد، خَرَجَت الرُّوم فهَدَمت مَدِينَة الحَدَث، وأجْلَت عنها أهلها، كما فعلت بِمَلَطِيَّة (a). ثمّ لَمَّا كانت سَنَة إحْدَى وستِّين ومائة، خَرَجَ مِيْخَائِيْل إلى عَمْق مَرْعَش، ووَجَّه المَهْدِيُّ الحَسَنَ بن قَحْطَبَة، سَاح في بلاد الرُّوم، فثَقُلَت وَطْأتُه على أهلها حتَّى صَوَّرُوهُ في كَنَائِسهم، وكان دُخُوله من دَرْب الحَدَث، فنَظَرَ إلى مَوْضِع مَدِيْنتها فأُخْبِر أنَّ مِيْخَائِيْل أُخرج (b) منهُ، فارتادَ الحَسَن مَوضع مَدِينَةٍ (c) هناك، فلمَّا انْصَرف كَلَّمَ المَهْدِيّ في بنائها وبناء طَرَسُوس، فأمرَ بتَقديم بناء مَدِينَة الحَدَث، فأنْشَأهَا عليّ بن سُلَيمان بن عَليّ، وهو على الجَزِيرَة وقِنَّسْريْن وسُمِّيَت المُحَمَّدِيَّة، وتُوُفِّي المَهْدِيّ مع فَراغِهم من بنائها، فهي المَهْدِيّةُ والمُحَمَّدِيَّة، وكان بناؤُها باللَّبِن، وكانت وفاتُه سنَة تِسْعٍ وستِّين ومائة، واستُخْلِف مُوسَى الهَادِي ابْنُهُ، فعَزَل عليّ بن سُلَيمان، ووَلَّي الجَزِيرَة وقِنَّسْريْن مُحمَّد بن إبْرَاهِيم بن مُحمَّد بن عَليّ، وقد كان عليّ بن سُلَيمان فرغ من بناء مَدِينَة الحَدَث، وفَرَضَ مُحمَّد لها فَرْضًا من أهْل


(a) ضبطها بكسر الطاء وتشديد المثناة التحتية، كما وجدها في أصول فتوح البُلْدَان، وتقدم التعليق عليه.
(b) فتوح البُلْدَان: خَرَج.
(c) فتوح البُلْدَان: مدينته.

<<  <  ج: ص:  >  >>