للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَجَّاءً لبني هاشِم، فطَلَبَهُ عَبْدُ اللّه بن عليّ، فلَم يَقْدر عليه، ثمّ جاءَهُ فقال: عَائِذٌ بالأَمِير منه، قال: ومَنْ أنتَ؟ قال: حَفْصٌ الأُمَوِيُّ، فقال: ألسْتَ الهَجَّاءَ لبني هاشمٍ؟ قال: أنا الّذي أقُول أعَزَّ الله الأَمِير: [من المتقارب]

وكانت أُمَيَّة في مُلْكها … تَجُور وتُكْثِر عُدْوَانَهَا

فلمَّا رَأى اللّهُ أنْ قد طَغَتْ … ولم يُطِق النَّاسُ طُغْيَانَهَا

رَماهَا بسَفَّاحَ آلِ الرَّسُول … فجَذَّ بكَفَّيْهِ أعْيَانَهَا

ولو آمَنَتْ قَبْلَ وَقْعِ العَذَابِ … لقد قَبِلَ اللهُ إيْمانَهَا

فقال: اجْلِسْ، فجَلَسَ فتغدَّى بينَ يَدَيْهِ، ثمّ دَعَا خَادِمًا له فسَارَّهُ بشيءٍ، ففَزِعَ حَفْصٌ، وقال: أيُّها الأَمِيرُ، قد تَحَرَّمْتُ بكَ وبطَعَامكَ، وفي أقلّ من هذا كانت العَرَبُ تَهَبُ الدِّماءَ، فقال: ليسَ ما ظَنَنْتَ، فجاءَ الخَادِمُ بخَسْمائة دِيْنارٍ، فقال: خُذْها ولا تَقْطَعْنا واصْلِح ما شَعَّثْتَ منَّا.

وحَكَى عِيسَى بن لَهِيْعَة بن عِيسَى بن لَهِيْعَة بن عُقْبَة الحَضْرَميّ المِصْرِيّ، عن خَالِد بن كُلْثُوم، عن عَوَانَة بن الحَكَم، ومُحَمَّد بن السَّائِب الكَلْبيَّيْن، قالا: قال هِشَامٌ يَوْمًا لجُلَسَائهِ وقُوَّامهِ على خَيْلِهِ: كم أكْثر ما ضُمَّت عليه حَلْبة من الخَيْل في إسْلَام أو جَاهِلِيَّةٍ؟ فقيل له: ألْف فَرَسٍ، وقيل: ألفان، فأمَرَ أنْ يُؤَذَّن النَّاس بحلَبةِ أرْبَعة آلاف فَرَس، فقيل له: يا أَمِير المُؤْمنِيْن، يَحْطِمُ بعضُها بعضًا، فلا تتَّسع لها طَريق! فقال: نُطْلقها ونتَوَكَّل على اللّه، واللّه الصَّانِعُ، فجَعَل الغاية (a) خَمْسِين ومائة غَلْوِةِ، والقَصَب مائة، والمُقَوَّس ستّة أسْهُمٍ، وقادَ إليهِ النَّاسُ من كُلَّ أَوْبٍ، ثمّ بَرَزَ هِشَامٌ إلى دَهْنَاءَ الرُّصَافَة قُبَيْل الحَلْبَة بأيَّام، فأصْلَح طَريقًا وَاسِعًا لا يَضِيق بها، فلمَّا أُرْسلَت يَوْم الحَلْبَة بينَ يَدَيْهِ، وكان يَنْظُر إليها تَدُور حتَّى تَرْجع، فجَعَل النَّاسُ


(a) الأصل: الغابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>