للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلتُ: وقد كانت الرُّوم في صَدْر الإسْلام تنتابُه وتَطْرُقُهُ لقُرْبهِ من بلادهَا، فتُخَرِّبهُ ويعمره المُسلِمُون مَرَّةً بعد أُخْرَى، فإنَّ أبا جَعْفَر أحْمد بن يَحْيَى البَلاذُرِيّ ذكَرَ، فيما نَقَلَهُ في كتاب البُلْدان، عَمَّن حدَّثَهُ من أهل الشَّام، فقال (١): قالوا: وكانت زِبَطْرَةُ حِصْنًا قديمًا رُوْمِيًّا، ففُتحَ مع حِصْن الحَدَثِ القَدِيم فتَحَهُ حَبِيْب بن مَسْلَمَة الفِهْرِيّ، وكان قائمًا إلى أنْ أخْربَتْهُ الرُّوم في أيَّام الوَلِيد بن يَزِيد، فبُنِيَ بناءً غير مُحْكَم، فأناخَت الرُّوم عليه في أيَّام فِتْنَة مَرْوَان فهَدَمَتْهُ، فبَنَاهُ المنْصُور، ثمّ خَرَجَت إليهِ فشعَّثَتْه، فبناهُ الرَّشِيد أَمِيرُ المُؤمِنِين على يَد مُحمَّد بن إبْرَاهِيْم، وشَحَنَهُ.

فلمّا كانت خِلَاقة المأْمُون، طَرَقَهُ الرُّومُ فَشَعَّثُوهُ، وأغَارُوا على سَرْحِ أهْله فاسْتَاقُوا لهم مَواشيَ، فأمَرَ المأْمُون، رَحِمَهُ الله، بِمَرَمَّتِهِ وتَحْصِيْنِهِ، وقَدِمَ وَفْدُ الطَّاغِيَة في سنَة عَشْر ومائتين يَسْأل الصُّلْح، فلم يُجبْهُ إلى ذلك، وكَتَبَ إلى عُمَّالِ الثُّغُور، فَسَاحُوا في بلادِ الرُّوم فأكْثَروا فيها القَتْل، ودَوَّخُوهَا، وظَفرُوا ظَفَرًا حَسَنًا، إِلَّا أنَّ يَقْظَانَ بن عَبْد الأعْلَى بن أحْمَد بن يَزِيد بن أُسَيْد السُّلَمِيّ أُصِيْب.

ثمّ خَرَجَت الرُّومُ إلى زِبَطْرَة في خِلَافَة المُعْتَصِم أبي إسْحَاق بن الرَّشِيد، فقَتَلُوا الرِّجَالَ، وسَبوا النِّسَاءَ، وأخْرَبُوها، فأحْفَظه ذلك وأغْضَبه، فَغَزَاهم حتَّى بَلَغَ عَمُّورِيَّة، وقد أخْربَ فيها (a) حُصُونًا، فأناخَ عليها حتَّى فَتَحَها، فَقَتَل المُقاتِلَة، وسَبَى النِّسَاءَ والذُّرِّيَّة، ثُمَّ أخْربَها، وأَمَرَ ببناءِ زِبَطْرةَ، وحَصَّنَهَا وشَحَّنَها، فَرَامَهَا الرومُ بعد ذلك، فلم يَقْدرُوا عليها.


(a) فتوح البلدان: قبلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>