للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمَّا أجْمَعْتُ الخُرُوجَ إلى رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم قُلتُ: مَنْ أصَاحِبُ إلى مُحَمَّدٍ؟ فلقيْتُ صَفْوَان بن أُمَيَّة، فقُلتُ: يا أبا وَهْبٍ، أمَا تَرَى ما نحنُ فيهِ إنَّما نحن أكَلَةُ رَأس، وقد ظَهَرَ مُحَمَّد على العَرَب والعَجَم، فلو قَدِمنا على مُحَمَّد فاتَّبَعْنَاهُ، فإنَّ شَرَف مُحَمَّدٍ لنا شَرَفٌ، فأبَى أشَدّ الإباءِ، وقال: لو لَم يَبْقَ غيري من قُرَيْشٍ ما اتَّبَعْته أبدًا فافْتَرَقنا، وقُلتُ: هذا رَجُل مَوْتُور يَطْلُبُ وِتْرًا؛ قُتِلَ أبُوه وأخُوه ببَدْر.

فلقيْتُ عِكْرِمَة بن أبي جَهْلٍ، فقُلْتُ لهُ ما قلْتُ لصَفْوَان، فقال لي مثْل ما قال صَفْوَان، قُلتُ: فاطْوِ ما ذَكَرْتُ لك، قال: لا أذْكُرُه.

وخَرَجْتُ إلى مَنْزِلي، فأمرتُ برَاحِلتي تَخْرج إليَّ إلى أنْ ألْقَى عُثْمان بن طَلْحَة، فقُلتُ: إنَّ هذا لي صَدِيْقٌ ولو ذَكَرتُ له ما أريد، وذَكَّرت مِن قَتْل أبائهِ، فكَرِهتُ أذكِرهُ، فقُلْتُ: وما عليَّ وأنا رَاحِلٌ من سَاعتي، فذَكَرتُ له ما صارَ الأمرُ إليهِ، وقلْتُ: إنَّما نحنُ بمَنْزِلة ثَعْلَب في جُحْر لو صُبَّ عليه ذَنُوبٌ من ماءٍ خَرَجَ، قال: فقُلتُ لَهُ: نَحْوًا ممَّا قُلْتُ لصَاحِبَيْهِ، فأسْرَع الإجَابَةَ، وقال: لقد غَدَوت اليَوْم وأنا أُرِيْدُ أنْ أَغْدُو، وهذه رَاحِلَتي بفجٍّ مُنَاخَةٌ، قال: فاتَّعدتُ (a) أنا وهو يَأْجَج (b)؛ إنْ سَبَقَني أقام وإنْ سَبَقتهُ أقَمْتُ عليهِ، قال: فأدْلَجنا سُحْرَةً، فلم يطلُع الفَجْر حتَّى الْتَقينا بيَأجَج، فغَدَونا حتَّى التَقَيْنا إلى الهدَّة، فنَجِد عَمْرو بن العَاصِ بها، فقال: مَرْحَبًا بالقَوْم، قلنا: وبك، قال: أين مَسِيْركم؟ قُلْنا: ما أخْرجكَ، قال: فاصْطَحبْنا جَمِيعًا حتَّى قَدِمْنا المَدِينَة فأنَخْنَا بِظَاهِر الحَرَّة رِكَابَنَا.


(a) الأصل: فأبعدت، والمثبت من البيهقي وابن عساكر وابن كثير والمتقي الهندي.
(b) في تاريخ ابن عساكر: بيأجج، وضبَطَهُ ابن العديم بتشديد الجيم الأولى، والضبط المثبت من ياقوت، وفيه: يأجج: اسم موضع على ثمانية أميال من مكة، معجم البلدان ٥: ٤٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>