للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قد مات، وهو مَطْرُوح على قِطْعَة بسَاطٍ والعَسْكَر مَشْغُولون عن دَفْنهِ؛ قد نَهَبَ بعضُهم بعضًا، فعاد خُطْلُبَا إلى حَلَب في ثلاثةِ أيَّام، وعرَّف النَّاس بمَوْتِهِ، فأدْخَلَهُ ابن بَدِيْع المَدِينَة إلى دَاره، واسْتَنْزلوا تُوْمَان من القَلْعَة بعدما صَحَّ عنده وَفَاةُ صَاحِبهِ، فصَانَعَهُم على ألف دِيْنارٍ، وسَلَّم القَلْعَةَ، ومَلَكَها خُطْلُبَا، واسْتَحْلَفَهُ الحَلَبِيُّونَ، واسْتَوثَقُوا منه.

وطلعَ المركْزَ (a) بتاريخ الخَمِيْس لستٍّ بَقِينَ من جُمَادَى الآخرة من هذه السَّنَة (١)، والقَمَر في الجَوْزَاءِ على قِرَان المِرِّيْخ، ولمَّا صَعدَ وبَقي أيَّامًا، ظَهَرَ أنَّهُ من أهْلِ الشَّرِّ والظُّلْم، فتَشَوَّشَت قُلُوبُ الرَّعِيَّة، وحَمَلَهُ قَوْمٌ من أهْلِ السُّوءِ على الطَّمَع، فتغَيّر وبَدَّل ما حَلَفَ عليه، وصَارَ يَخْتِم على تَرْكة مَنْ يَمُوت، ويُرْفَع مالَهُ إليه، ولا يكْشف: هل له وَارثٌ أم لا؟

وصَحَّ هذا عند الأَمِير بَدْر الدَّوْلَة، والرَّئِيس فَضَائِل بن بَدِيْعِ، وأنَّهُ قد عوَّل على قَبْضهما، فتحَالَفَا عليه، واتَّفق معهما أحْدَاثُ حَلَب، فقامُوا عليه لَيْلَة الثّلاثَاء ثاني شَوَّال ليلًا، والقَمَر في القَوْس في ستّ درجِ على تَسْديس زُحَل، وكان غِلْمَان خُطْلُبَا وحُجَّابه وأصْحَابه في قلَّةٍ، وكُلُّهم يَشْربُون في البَلَد -لأنَّهُ عَشِيَّة عيدِ الفِطْر- عند أصْدِقائهم ومَعَارِفهمِ، فقَبَضَهَم الحَلَبِيُّونَ، ومَلأوا بهم الحبُوسَ والمَسَاجِد ودَار ابن الإقْرِيْطِشِيّ، وقيَّدُوهُم وأصْبَحُوا مُعْتَقلين، وزحفَ النَّاسُ كافَّة إلى باب القَلْعَة، وحَصَرُوا القَلْعَةَ، فقَاتَلهم النَّهَار أجْمَع، ولمَّا كان اللَّيْل نَزَل [و] أحْرَقَ (b) القَصْرَ الّذي لَم يكُن في البِلادِ مثْلُه، وأتْلَفَ فيه من السُّقُوف والأبْوَاب والأخْشَاب والرُّخَام ودَار الذَّهَب حتَّى تَوَاقَع بعضُه على بعضٍ.


(a) في مفرج الكروب ١: ٣٨: وطلع ختلغ إلى القلعة.
(b) الإضافة من مفرج الكروب لابن واصل ١: ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>