للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، وأخْبَرَنا بهِ عنهُ إجَازَةً أبو القَاسِم عَبْد اللَّه بن الحُسَين بن رَوَاحَة، قال: سَمِعْتُ خُمَارتَاش بن عَبْد اللَّه البَجَنِيّ التُّركِيِّ في المَشْهَد المُجَدَّدِ على باب دِمَشْقَ، وسَألتُهُ عن سَبَب بنائهِ، فقال: كُنْتُ من شِرَار الأجْنَادِ وأوْغَادِهم، فرأيْتُ ليلَةً، وأنا بحَلَبَ، فيما يرى النَّائمُ كأنَّ الخَضِرَ عليه السَّلامُ أتاني وأرَاني هذا المَوضع، وكان على الجَادَّةِ بين طَرِيْقَيْن، فقال: هذا مَوضِعٌ شَرِيفٌ، فاقْصِد فُلَانًا سَمَّاهُ خُمَارتَاش، وقُلْ له حتَّى يَبْني هذا مَشْهَدًا، وانْطُر (a) وتَنَبَّه فمن هَا هُنا إلى مَشْهَدِ القَدَم مثْل ما من هَا هُنا إلى البَلَدِ، وعلى أحَدِ جَانبَيْك مَغَارة، وعلى الآخر ثلاث شَجَرات حتَّى لا تَنْسَى، وغابَ عني، فانْتَبهتُ وأنا مَذْعُور، فقُلْتُ: ومَنْ أنا حتَّى أَرَى مثْل هذا المَنَام؟ وسَكَتُّ ولَم أُظْهِر شيئًا.

فَمَضَى على هذا زَمَانٌ، ثُمَّ رَأيْتُه في المَنَام فعَاتَبَني، وقال: لِمَ لَم تُبَلِّغ رِسَالتَنا؟ فلمَّا أصْبَحْتُ تأهَّبْتُ للسَّفَر، وجئتُ إلى دِمَشْق، وذَكَرْتُ للرَّجُل ما قالَهُ، فتَوَانَى في ذلك وسَكَتُّ أنا ولَم أُرَاجِعْهُ، فرأيتُه في المَنَام ثالثًا وقال: بَلِّغ الرِّسَالَةَ ولا بأسَ عليك، وقُلْ لهم: ها هُنا آبارٌ ثلاثٌ قد طُمَّتْ، وقُبُورٌ من قُبُور الصَّالِحين قد انْطَمَسَتْ، وأرَاني عَلامَاتٍ، فنحنُ في الحَدِيْث وإذا قد ظَهَرَ رَجُلٌ على فَرَسٍ أشْهَب، وعليه ثِيَابٌ بيْضٌ، وخَلْفه رَجُلَان على زيِّهِ، فقَصَدَهُ الخَضِرُ عليه السَّلام وسَلَّم عليه وعليهما، واسْتَقَى من إحْدَى الآبار وشَرِبَ وشَرِبُوا، فلمَّا وَلَّى الرَّجُل واللَّذان معه، قال: تَعْلَم مَنْ هذا؟ هذا خَاتم النَّبيِّيْنَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم ومَعَهُ صَاحِبانِ له.

فلمَّا أصْبَحتُ، قُمْتُ وقُلتُ: ليسَ بعد هذا شَكّ، وقَصَدْتُ صَاحِبَ البَلَدِ، وذَكَرتُ له القصَّة، فرَكِبَ في عَسْكَره وجاءَ فدَللْتُهُ على البئْر الأوَّلَةِ، فضَحِكَ أميرٌ من أُمَرَاءِ الدَّوْلةِ، فصَاح عليه وزَبَرَهُ، وأمَر بحَفْر المَوضِعَين، فلَم يَحْفروا كَثِيْرًا


(a) كذا في الأصل بالطاء المهملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>