للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القَاضِي أبو الفَرَج (١): وفي هذا الخَبَر ما دَلَّ على دَهَاءَ دِعْبِل ولُطْف حِيْلَته، وأنْبأ عن ذَكَاءِ المُطَّلِب ودِقَّة فِطْنَته.

وقد رُوِي مثل هذا عن مَعْن بن زَائِدَة، وأُتِي بِجَمَاعَةٍ قد عاثُوا في عَملِهِ فأمَرَ بقَتْلهم، فقال له أحدُهُم: أعيذكَ باللهِ أَنْ تقتُلنا عِطَاشًا، فأمَرَ بإحْضَارِ ماءٍ يسقُونهم، فأُحْضِر، فلمَّا شَرِبُوا قال: أيُّها الأَمِيرُ، لا تَقْتُلْ أضْيَافك! فقال: أوْلَى لك، وأمَرَ بتَخْليتهم.

قال: وأخْبَرَنا القَاضِي أبو الفَرَج المُعَافَى (٢)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَوْن، قال: أنْشَدَني دِعْبِل لنَفْسِه يَرْثِي المُطَّلِب (٣): [من البسيط]

مَاتَ الثَّلاثةُ لمَّا مَاتَ مُطَّلِبٌ … ماتَ الحَيَاءُ (a) وماتَ الرُّعْب (b) والرَّهَبُ

للهِ أرْبَعَةٌ قد ضمَّها كَفَنٌ … أضْحَى يُعزَّى بها الإسْلَامُ والعَرَبُ

يا يَوْم مُطَّلِبٍ أصْبَحْتَ أَعْيُنَنا … دَمْعًا يَدُوم لها ما دَامَتِ الحقَبُ

هذي خُدُودُ بني قَحْطَانَ قد لَصِقَتْ … بالتُّرب منذُ اسْتَوى من فَوْقكَ التُّربُ

قال القَاضِي (٤): قَوْل دِعْبِل في شِعْره الأوَّل في الخَبَر المُتَقدِّم: اضْرب نَدَى طَلْحَة الطَّلْحَات؛ أسْكَنَ اللَّام في قَوْله: الطَّلَحَات للضَّرُورة وحَقُّه (c) التَّحْريكُ، والعَرَبُ تَقُول: طَلْحَةُ الطَّلَحَات، وحَمْزَةٌ وحَمَزَات، وتَمْرَة وتَمَرَات وجَمْرة وجَمَرَات، ومثْلُه (d): الرَّكَعَات والسَّجَدَات، بفَتْحِ عَيْن الفعْل من فَعَلات في الأسْماءِ من هذا الباب، ما لَم تكن العَيْن وَاوًا أو ياءً أو ألفًا، وقد أسْكَن الرَّاجِزُ العَيْن من الاسْم


(a) الأصل: الحياة، والمثبت عن الديوان وكتاب المعافى.
(b) الجريري: الرغب.
(c) الجريري: وحقها.
(d) مكررة في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>