لا أُقِيلها ولا أَسْتَقِيلها، سَماع اللّهِ والنَّاس، وكان عليه بُرْنُس في غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فحُبِسَ عَشر ليالٍ، وزِيَاد يطلُبُ رُؤوس أصْحَاب حُجْرٍ.
فخَرَجَ عَمْرو بن الحَمِق ورِفَاعَة بن شَدَّاد حتَّى نَزَلا المَدَائِنَ، ثمّ ارْتَحلَا حتَّى أتيا أرْض المَوْصِلِ، فأتَيَا جَبَلًا فكَمِنَا فيه.
وبَلَغَ عَامِل ذلك الرُّسْتَاق أنَّ رَجُلَين قد كَمِنا في جانِب الجَبَل، فاسْتَنْكَر شَأنهما، وهو رَجُلٌ من هَمْدَان يُقال له عَبْد الله بن أبي تَلْعَة، فسَارَ إليهما في الخَيْل ومعَهُ أهْل البَلَدِ، فلمَّا انْتَهَى إليهما خَرَجا، فأمَّا عَمْرو بن الحَمِق؛ فكان مَرِيْضًا، وكان بَطْنُه قد اسْتَسْقَى، فلَم يكُن عندَهُ امْتِناع، وأمَّا رِفَاعَة بن شدَّاد فكان شابًّا قَوِيًّا فوَثَبَ على فَرَسه، فقال: أُقاتِل عنك، فقال: وما يَنْفعُني أنْ تُقْتَل، انْجُ بنفْسِك إنْ اسْتَطَعْتَ، فحَمَلَ على القَوْمِ فأفرجُوا له، وخَرَجَ يعَدَّى به فَرَسهُ، وخَرَجَت الخَيْلُ في طَلَبِه، وكان رَامِيًا، فأخَذَ لا يَلْحقُ بهِ فَارِس إلَّا رَمَاهُ فجرحَهُ أو عَقَرهُ، فانْصَرفُوا عنه.
وأُخِذَ عَمْرو بن الحَمِق، فسَألُوه: مَنْ أنتَ؟ قال: إنْ تَرَكْتُمُوه كان أَسْلم لكم، وإنْ قَتَلْتُموه كان أضَرَّ عليم، فبَعَثَ به ابن أبي تَلْعَة إلى عَامِل المَوْصِل وهو عبدُ الرَّحْمن بن عُثْمان الثَّقَفِيّ، وهو ابنُ أُمِّ الحَكَم، فلمَّا رَأى عَمْرًا عَرفَهُ، فكَتَبَ إلى مُعاوِيَة يُخْبرُه، فكَتَبَ إليهِ: إنَّهُ زَعَم أنَّهُ طَعَنَ عُثْمان تِسْعَ طَعناتٍ، وإنَّا لا نَزِيْدُ عليهِ، فاطْعَنْهُ تِسْع طَعناتٍ، فأُخْرج فطُعِنَ تِسْع طَعناتٍ، فماتَ في الأُوْلَى أو في الثَّانيَة، فبُعِثَ برَأسهِ إلى مُعاوِيَة، وكان أوَّل رَأسٍ حُمِلَ في الإسْلَام.
أنْبَأنَا أبو العبَّاس أحْمَد بن عَبْد اللّهِ بن عُلْوَان الأسَدِيُّ، عن أبي طَاهِر الخَضِر بن الفَضْل، قال: أنْبَأنَا أبو عَمْرو بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنَا حَمْد بن عَبْدِ اللّه،