القِرْمِطِيُّ في خسمائة فارس من الكَلبيِّيْن، وكان أخوهُ نَبهَان مُعْتَقَلًا في قلعَة حَلَب منذُ أُسِرَ من كَفَرْ طَاب، واقْتَتَلُوا يَوم الجُمُعَة واسْتَراحُوا السَّبْتَ والأَحَد، وردَّ رِفْق الخِزَانَةَ السُّلْطانيَّة إلى وَرَائه لَيلَة الاثنين سَابِع عشْرين رَبيع، وأمرَ العَسْكَر أنْ يدفَعُوا أثْقَالهم إلى مَعَرَّة مَصْرِيْن، فاسْتَشْعَرُوا الهَزِيمةَ، وأخَذَ العَسْكَر من نصف اللَّيْل يرحلُونَ، وانْتهَى ذلك إلى رِفْق، فأتبعَهُم برُسله يَرْسُم لهم العَودَةَ فلم يرجع أحدٌ، وانْهَزَموا.
وأسْفَرَ الصُّبْح، وخَرَجَ من حَلَب خَيْلٌ، وظنُّوا أنَّها مَكِيْدَةٌ، فلما تحقَّقُوا هَزِيمَةَ العَسْكَر، نَهَبُوا وأسرُوا، ونَهَبَ العَرَبُ بعُضهُم بَعْضًا والعَسْكَر، وخَرَجَ الحَلَبِيُّون [و] نَهَبُوا آثار العَسْكَرِ من غَلَّاتٍ وغيرها، ولحقُوا رِفْقَ الخَادِم وجَرَحُوه ثلاث جرَاح، ودَاخلوه إلى حَلَبَ أسِيْرًا مَكْشُوف الرَّأسِ، واخْتَلَط عَقَلُ رِفْق لأجل الجِرَاح الّتي في رَأسه، وماتَ في القَلْعَة بعد ثلاثةِ أيَّامٍ، ودُفِنٍ فِي مَسْجِدٍ بِظَاهِر حَلَب، وأَسَرت الرُّومُ؛ أصْحَابُ الأطْرَاف، من العَسْكَر جَمَاعَةً، فأنْكَر قُسْطُنْطِيْن ذلك عليهم وردَّهُم إلى بَلَدِ الإسْلَام، وكَسَاهُم.
قَراتُ في تاريخ جَمَعهُ أبو غَالب هَمَّام بن الفَضْل بن جَعْفَر بن عليّ بن المُهَذَّب المَعرِّيّ، سَيَّرَهُ إليَّ بعضُ الشِّرَاف الهاشِميِّيْن بحَلَب (١)، قال: سَنَة إحْدَى وأرْبَعين وأرْبَعِمائة، فيها وَصَل الأَمِيرُ أبو الفَضْل رِفْق؛ خَادِمٌ كان على المَطَالِب بمِصْر فِي عَسْكَرٍ عَظِيمٍ، فانْهزَمتْ منه بنو كِلَاب عن حِمْص، وتَبِعَها مَنْزِلًا مَنْزِلًا، حتَّى نَزَلَ على مَعَرَّة النُّعْمَان، فلمَّا رَأى خَرابَ السُّور، سَأل: كمَ يَحْتاج إلى أنْ يَعُودَ إلى ما كان؟ فقُدِّر له فكان ألْفي دِيْنارٍ، فقال: أنا أُعمرُه من عندِي بمالي، ولا أحْوجُكم إلى غيري.