بهذا غير واحد من شُيُوخِنا، وأحْضرَه المُعْتَزّ للطَعَام فأكَلَ بحَضْرته، وأوْغَرَ (a) له ضِيَاع حَرْب كُلّها، فلَم يَزَل ذلك جَارِيًا له إلى أيَّامِ المُعْتَضِد.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بن الحَسَن الكِنْديّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّازُ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عليّ الحافِظ (١)، قال: أَخْبَرَنا مُحَمَّد بن عِيسَى الهَمَذَانيّ، قال: حَدَّثَنَا صالح بن أحْمَد الحافِظُ، قال: حَدَّثَنَا أبو إسْحاق إبْراهيم بِن عُمْرُوسِ إمْلاءً، قال: سَمِعْت أحْمَد بن بُدَيْلٍ الكُوْفيّ قَاضِيْنا، قال: بَعَثَ إليَّ المُعْتَزُّ رَسُولًا بعد رَسُول، فلَبسْتُ كُمَّتي، ولبسْتُ نَعْلَ طَاقٍ، فأتَيْتُ بابَهُ، فقال الحَاجِبُ: يا شَيْخ نَعْليْكَ، فلم ألتَفتْ إليه، ودَخَلْتُ البابَ الثّاني، فقال الحَاجِبُ: نَعْلَيْكَ، فلم ألتَفتْ إليهِ، فدَخَلْتُ إلى الثَّالث، فقال: يا شُيْخ، نَعْلَيك! فقُلْتُ: أبالوَادِ المُقَدّس أنا فأخْلَع نَعْليّ؟! فدَخَلتُ بنعْلي فرفعَ مَجْلِسي، وجَلَسْتُ على مُصَلَّاهُ، فقال: أتْعَبْناكَ أبا جَعْفر، فقُلتُ: أتْعَبْتني وأذْعَرتني، فكيف بكَ إذا سئلتَ عنِّي؟ فقال: ما أرَدْنا إلَّا الخَيْر؛ أرَدْنا نَسْمَع العِلْم، فقُلتُ: وتَسْمَعُ العِلْم أيضًا؟ ألَا جِئْتَني؟ فإنَّ العِلْم يُؤْتَى ولا يَأتِي! فقال: تُعْتِبُ أبا جَعْفَر، فقُلتُ لَهُ: خَلَبْتني بحُسْن أَدبكَ، اكْتُب.
قال: فأخَذَ الكَاتِبُ القِرْطاس والدَّوَاةَ، فقُلتُ لَهُ: أتكتُب حَدِيثَ رسُول الله صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قِرْطاسٍ بمِدَادٍ؟ قال: فبما يْكْتَب؟ قُلتُ: في رَقٍّ بحِبْرٍ، فجاؤُوا برَقٍّ وحبْرٍ، فأخَذَ الكَاتِبُ يُريدُ أنْ يَكْتُب، فقُلتُ: اكْتُب بخَطِّكَ، فأوْمَأ إليَّ أنَّهُ لا يَكْتُب، فأمْلَيتُ عليه حَدِيْثَين أسْخَن اللهُ بهما عَيْنيهِ، فسَأله ابنُ البَنَّاءِ أو ابن النُّعْمان: أيّ حَدِيثين؟ فقال: قُلتُ: قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم (٢):
(a) في الأصل: وأوعز، وهو بالغين من الإيغار، أي جعلها له من غير خراج. انظر: لسان العرب، مادة: وغر.