للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه، عَرَضَت لي (a) أُمُورٌ، وحَدَّثتُ نَفْسِي فيها بأُمُور، وهذا الرَّجُل قد أُوْلِع بي، فارْكَبْ بنا نتَنَفَّسُ.

فرَكِبَ وسرْتُ معه، فسار مِيْلَين، ووَقَفَ على تَلٍّ، فجَعَل يَشْكُو هِشَامًا، إذ نَظَر إلى رَهجَ (b) قد أقْبَل - قال عُمَر بن شَبَّة في حَدِيثه: وسَمِعَ قَعْقَعَةَ البَرِيد فتَعَوَّذ بالله من شَرِّ هِشَام، وقال: هذا البَرِيدُ قد أقْبَل بمَوْتٍ وحَيٍّ أو بمُلْكٍ عَاجِل! فقُلْتُ: لا يسُوءكَ اللهُ أيُّها الأَمِيرُ بل يسرُّك ويُبْقيك، إذْ بدا رَجُلان على البَرِيد مُقْبِلان (c) ؛ أحدُهما مَوْلَى لأبي سُفْيان بن حَرْب، فلمَّا قَرُبا أتيا (d) الوَلِيدَ فنَزِلَا يَعْدُوان حتَّى دَنَوَا فسَلمَّا عليه بالخِلَافَة، فوَجَم، فجَعَلا يُكَرِّران عليه التَّسْلِيمَ بالخِلَافَة، فقال: ويْحَكُما؛ ما الخَبَر، أماتَ هِشَام؟ قالا: نعم، قال: مَرْحَبًا بكما، ما معكما؟ قالا: كتاب مَوْلاك سَالِم بن عبد الرَّحْمن، فقرأ الكتابَ وانْصَرفا (e).

وسَأل عن عِيَاضِ بن مُسْلِم؛ كاتِبه الّذي كان هِشَام ضَرَبَهُ وحَبَسَهُ، فقالا: يا أَمِير المُؤْمنِين، لَم يَزَل مَحْبُوسًا حتَّى نَزَل بهِشَام أمرُ الله عزَّ وجلَّ، فلمَّا صار إلى حالٍ لا تُرْجَى الحيَاةُ لمثْلهِ معها، أرْسَل عِيَاضٌ إلى الخُزَّان: احْتَفظُوا بما في أيْديكم، ولا يَصلنَّ أحدٌ إلى شيءٍ، وأفاقَ هِشَام إفاقةً، فطَلَب شيئًا فُمنِعَهُ، فقال: أُرانا كُنَّا خُزَّانًا للوَلِيْدِ، وقَضَى من سَاعته.

فَخَرَجَ عِيَاضٌ من السِّجْن سَاعَةَ قَضَى هِشَامٌ، فخَتم الأبْوَابَ والخَزَائن، وأمَرَ بهِشَام فأُنْزل عن فراشِهِ، ومنعَهُم أنْ يُكفِّنوه من الخَزَائن، فكَفَّنَهُ غالبٌ مَوْلَى هِشَام بن إسْمَاعِيْل، ولَم يجدُوا قُمْقُمًا حتَّى اسْتَعارُوه.


(a) الأغاني: عرضتني.
(b) كلمة غير مقروءة في الأصل، والمثبت عن تاريخ الطبري والفرج بعد الشدة والأغاني والتذكرة الحمدونية ونهاية الأرب، والرَّهج والرَّهجْ: الغبار. لسان العرب، مادة: رهج.
(c) الأغاني: يقبلان. وذكرهما الطبري: أحدهما مولى لأبي محمد السفياني، والآخر اسمه: جَرْدبة.
(d) الفرج بعد الشدة والأغاني: رأيا.
(e) الفرج بعد الشدة والأغاني والتذكرة الحمدونية: وانصرفنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>