بزَوْجَته، وهي أُخْتي الكُبْرَى، فصَلَّينا المَغْرب مع عَمِّي، وقامَ عمِّي لوِرْدِه بين المَغْرب والعِشَاء، وجَلَسْتُ أنا وزَكّرى فأبْطَأ وُصول النِّسَاء عنَّا، فسَلَّم عمِّي من بَعْض أوْرَادِه، وقال: قد أبْطَأ الجَمَاعَة، فالْتَفَتَ الشَّيْخ زَكرى إليَّ وقال: قد تَاهُوا عن الطَّريق، ثُمَّ أبْطأوا سَاعةً، فقال لي زَكرى: قد سَقَطَتْ أخْتك عن الدَّابَّةِ ولكنَّها سَلِمَتْ، ثمّ قال لي: السَّاعَة يَصِلُون، وكُنَّا نَنتَظرُ وُصُولهم من جِهَة القِبْلَة؛ من جِهَة حَلَب، فوَصَلُوا بعد سَاعة من جِهة الشَّمَال من جهَة عَزَاز، فقُمْتُ إليهم، فأخْبَرُوني أنَّهم تَاهُوا عن الطَّريق، وتَعَدّوا المَوضع الّذي يُسَامت صُمُّع، وأخْبَرُوني أنَّ أُخْتي سَقَطَت عن الدَّابَّةِ واشْتَغلُوا به سَاعةً! وكان يَتَّفِق له معنا وقَائِع كَثِيْرة من هذا النَّوع.
وممَّا أعْرِفه من كَرَامَاته، أنَّ عمِّي أبا غَانِم عَزَمَ علي زيارة البَيْت المُقَدَّس في سَنَة سَبعٍ وسِتِّمائة أو سَنَة ثَمان، فتَوجَّه وأهْله معه، وبَرَز إلى تُرْبَةِ مَجْد الدِّين ابن الدَّايَة، بالقُرْبِ من مَقَامِ إبْراهِيم عليه السَّلام وباتَ بها، وبِتْنا معه لنُودِّعَهُ، وخَرَجَ معنا الشَّيْخ زَكرى فيمن خَرَجَ، فلمَّا ودَّعْناهُ أخَذَني الشَّيْخ زَكرى مُنْعَزلًا عن الجَمَاعَة، وقال لي: ما أعُود ألْتَقِي عمَّكَ بعدَ اليَوْم إلَّا في القِيامَة! فحَكَيْتُ ذلك لوَالدِي فتألَّم لذلك، وخَافَ على عَمِّي لعِله أنَّ الشَّيْخ زَكرى لا يُخْبر بشيءٍ إلَّا ويَقَع، وأقامَ عَمِّي بالبيت المُقَدَّس، واشْتَاق إلى أخيهِ، وتوجَّه إليهِ وإلى الزِّيَارَة وأنا معه، ووصَلْنا إلى البَيْت المُقَدَّس وأقنا بهِ مُدَّةً، وعُدْنا جَمِيعًا مع عَمِّي إلى حَلَب، ووَصَلْنا قَول الشَّيْخ زَكرى الّذي قال لي وَقْتَ وَدَاع عَمِّي، فلَّمَا وصَلْنا إلى حِمْص، لقيَنا رَجُلٌ قد خرجَ من حَلَب؛ وكان من أصْحَاب الشَّيْخِ أبي الحَسَن الفَاسِيّ، فأخْبَرَنا أنَّ الشَّيْخ زَكرى تُوفِّي بحَلَب من أرْبَعة أيَّام أو خَمْسة.
وكانت وَفَاتُه في سَنَة تِسْعٍ وسِتِّمائة، ودُفِنَ بالجُبَيْل خارج باب الأرْبَعِين في تُرْبَة الشَّيْخ عليّ الفَاسِيّ عند رِجْليهِ، رَحِمَهُما اللّهُ.