للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجَزِيْرَة والشَّام، هذا كُلُّه ودُبيس مُقيمٌ بفَم البَّرِّيةِ يتَواعَدُ بَغْدَاد بالَخرَاب، وبلغَ أتَابِك عِمَاد الدِّين وَفَاة السُّلْطان مَحْمُّود بن [مُحَمَّد] (a) وهو على القَرْيتَيْن، فسَارَ نحو المَوْصِل ليلَة الخَمِيْس سَادس عَشر شَوَّال ومعه دُبَيْس.

وكان لهذا السُّلْطانِ عند الأَمِير وَلدان؛ أحَدُهما الّذي كانت أُمُّهُ عند سُنْقُر البرسُقِيّ وماتَتْ، اسْمُه ألْب أَرَسْلَان أبو طَالِب، والآخر الّذي كان عند دُبيس، فبَعَثَ عِمَاد الدِّين يَسُوم المُسْترشِد أنْ يَخْطب لأبي طَالِب وَلد السُّلْطان، فاعْتَذَر المُسْترشِدُ إليه بأنَّهُ صَبيٌّ، وأنَّ المنقُول رَسْم لوَلدِه دَاوُد وهو بأصْبَهَان، وقد وَصَلَتْ رُسُل البِلادِ كُلها تقُول: اخْطُب لدَاوُد فنحنُ له طَائعُون، وأنا مُنْتَظرٌ جَوَاب كتاب سَنْجَر عَمّ القَوْمِ، وكان أتَابِك عِمَاد الدِّين قد أخَذَ خَبَر عَوْدةِ ابن الأنْبارِيّ رَسُول الخلَيفَة من دِمشْق؛ كان المُسْترشِد نفَّذَهُ في مَعْنَى دُبيس إلى تاج المُلُوك، فوجدَهُ قد صَار إلى عِمَاد الدِّين، فعاد وكانت في صُحْبَتهِ قَافِلَة عَظِيمَة فيها أمْوَالٌ، فبَعَثَ عِمَاد الدِّين إليهِ سريَّةً للقَبْض عليه، فقبضُوا عليه، ونَهَبُوا القَافِلَة في كيَادِ الخَلِيفَة، وفكّ القيُود عن دُبَيْس وخَلَعَ عليهِ، وحَمَل له من المالِ والجوهَر والخيْل والعُدَد ما لا حَدّ عليه، وخَرَجَ من الدَّار الّتي كان يشرب فيها وسَلَّمها إليهِ بآلاتها وكُلِّ ما فيها.

قُلتُ: وبعد ذلك وَصَلَ دَاوُد بن مَحْمُّود بن مُحَمَّد بن مَلِكْشاه إلى زَنْكِي، فأَخذَهُ وسَارَ بهِ إلى بَغْدَاد، وأنْزَله في دَار السَّلْطَنَة ببَغْدَاد، وزنْكِي في الجانب الغَرْبيِّ، والخَلِيفَةُ إذ ذاكَ الرَّاشِد بعد قتل المُسْترشِد، فوَصَلَ السُّلْطان مَسْعُود إلى بَغْدَاد فَحَصَرهم بها، فوقَع الوَبَاء في عَسْكَره، فسَار إلى أرْض وَاسِط ليعبُرَ إلى الجانِب الغَرْبيِّ، فاغْتَنَم زَنْكِي غَيبته، وسار إلى الموصِل، وسار داود إلى مرَاغة، وبلغ الخبر


(a) الأصل: تر، ولم أجده في سياقة اسمه ولا في ألقابه، ولم يذكر العظيمي وفاته في كتابه تاريخ حلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>