للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلتُ: وكان القَاضِي أبو مُسْلم قاضي الرَّقَّة هو الّذي خَرَجَ من الرَّقَّة مع جَمَاعَةٍ من أهْلها، وتَوَلَّى تَجْهيز زَنْكِي ونَقْله إلى الرَّقَّة ودَفْنه، فكان ثَوَابه من نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي أنْ وَقَف عليه وعلى ذُرِّيَّته من بَعْدهْ قَرْيَة عَامِرة ببَلَدِ حَلَب.

أخْبَرَني شِهَاب الدِّين أبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن عليّ بن أبي مُسْلِم قاضي الرَّقَّة، بالرَّقَّة، قال: كان أتَابِك زَنْكِي حين قُتِلَ وحُمِلَ إلى الرَّقَّة قد دُفِنَ في مَشْهَد عليّ بن أبي طَالِب عليه السَّلام، داخل الباب على يَميْن الدَّاخِل، والمكان مَعْرُوف وأرَانيهِ حين حَكَى لي هذه الحِكَايَةَ، قال: وكان بالمَشْهَد قَيِّمٌ أعْجَميٌّ يُقال له: بِبْنَار، وكان رَجُلًا صَالِحًا، فاتَّفَقَ ليلَةَ النّصْف من شَعْبان أنْ رَأى في المَنَام كأنَّهُ خَرَجَ من البَلَدِ، وجاءَ إلى المشهَد، فرَأى على بابهِ ثلاثة أفْرَاسٍ يُمْسكُها عَبْدٌ أسْوَد، قال: فدَخَلْتُ المَشْهَد، فرَأيْتُ ثلاثة رجالٍ، فقُلتُ: مَنْ أنتُم؟ فقال أحدُهم: أنا عليّ بن أبي طَالِب وهذان الحَسَن والحُسَين، ثمّ سَألني عن القَبْر، فقُلْتُ: هذا قَبْر سُلْطانٍ عَظِيم، فقال لي: مَهْ! السُّلْطانُ العَظِيْمُ هو اللّهُ. فقُلْتُ: هذا قبر أتَابِك زَنْكِي الشَّهِيْد، فقال لي: تَمْضِي إلى وَلده مَحْمُود وتقُول له: نحنُ جَعَلنا هذا المكان مَعْبَدًا لَم نَجْعَله مَدْفنًا، فقُل له: يَنْقله من هَا هُنا، قال: ثمّ مَشَوا إلى المكان الّذي يُقال فيه الكَفُّ، ودَعَوا، ثمّ قال لي: يا بِبْنَار، أنتَ ما تقُول له، نحنُ نقُول له!

قال: فأصْبَح بِبْنَار ودَخَلَ إلى جَدِّي القَاضِي مُوَفَّق الدِّين أبي مُسْلِم، فحَكَى له ما رَأى وعنده جَمَاعَة، فأخَذَ جَدِّي وكَتَبَ كِتَابًا إلى نُور الدِّين مَحْمُود يُخْبره فيه بصُورة المَنَام، قال: فلَم يَصِل إليهِ الكتاب حتَّى سيَّر نُور الدِّين محمُود كِتَابًا إلى القَاضِي أبي مُسلم يقُول له: إنِّي رَأيتُ ليلَة نصْف شَعْبان عليّ بن أبي طَالِب ووَلديه الحَسَن والحُسَين عليهم السَّلام، وقالوا لي: تَنْقُل أباك من المَشْهَد؛ فنحنُ جَعَلْناهُ مَعْبَدًا لَم نَجْعَله مَدْفنًا، وقد سَيَّرتُ إليك أرْبَعةَ آلاف قرْطِيْس فتَبْني بها تُرْبَةً مثل تُرَب الفُقَرَاءِ والمَسَاكِيْن، لا مثل تُرَب المُلُوك والسَّلَاطين، وتَنْقُله إليها، قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>