للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وحَدَّثَني الهَيْثَم بن جَمِيل، قال: حَدَّثَني عُبَيْد الله بن عَمْرو - يَزِيْدُ بعضُهم على بعضٍ - قال: حَدَّثَني زِيَاد أبو عَبْد الله، رَجُلٌ من حَرَس عُمَر بن عَبْد العَزِيْز، قال: بَعَثَ إليَّ عُمَر بن عَبْدِ العَزِيْز ذات ليلةٍ، فدَخَلْتُ عليه وعنده شَمْعَة وتَحْته شَاذَكُونَة وَسخَة، لا أدْرِي أوَسَخُها أغْلَظ أو ثَوْبُها (a)، بسَاطُها من عباءة من مُشَاقَة الصُّوف في لَيْلَة قُرَّة، وعليه كسَاءٌ أَنَجَبَانيٌّ سَمِلٌ، وعليه قَلَنْسُوَةٌ بَيْضاء مُضَرَّبة غَسِيْل قد تنخَّى قُطْنُها في نَاحِيتها (b)، فنَظَرتُ إلى جَسَده فكأنِّي لَم أرَ بين عَظْمِه وجلْدِه شَيئًا من الَّلْحم. قال: ومالٌ مُعَبَّأ، وكتابٌ مَخْتُوم، فقال لي: خُذْ هذا المال وهذا الكتاب، فانْطَلِقْ به إلى سَالِم بن وَابِصَة، وكان على الرَّقَّة، فُمرْهُ فليَقْسمه على فُقَراءِ المُسْلمِيْن، ومُرْهُ أنْ لا يَقْسمَهُ إلَّا على نَهْر جَارٍ، أو سُوق جَامِعةٍ، فإنِّي أخَافُ أنْ يعطَشُوا.

قال: وكَتَبَ إلى ابن وَابِصَة: نأمُركَ بأشرَاطٍ تذبّ النَّاس بعضُهم عن بعضٍ، لا يَزْدحمُوا فيُصِيْبهم شيء.

قال: فأخَذْتهُ، ثمّ خَرَجْتُ ورَجَعتُ، فقُلْتُ لغُلَامِهِ: اسْتأذِن لي، فقال: قد دَخَل إلى أهْلِهِ وليس هَا هُنا أحدٌ يَسْتَأذنُ لك.

قال: فقام على البابِ، ثُمَّ قال: الرَّجُل الّذي خَرَجَ من عند أَمِير المُؤْمنِيْن آنفًا يُريد (c) الدُّخُول، قال: فسَمِعْتُه يَقُول: ادْخُل، فإذا الشَّمْعَةُ قد رُفعَتْ وإذا عنده سِرَاجٌ، قُلتُ: قَلَّ مَنْ وَلي هذا الأمرَ إلَّا حَضَرَهُ المُحقُّ وغير المُحقّ، فتَرَى أنْ نَسْتَقْصِي حتَّى نُوْصلَهُ إلى أهْلِهِ أو نُعطيَهُ منْ حَضَرنا، وقد يَحْضُر الغَنِيّ والفَقِيْر؟ قال: فنكتَ بشيءٍ في يَده مَلِيًّا، ثمّ رفَع رَأسَهُ فقال: مَنْ مَدّ يَده إليك فأعْطِه.


(a) تاريخ ابن عساكر ١٩: ٢٤٩: بؤولتها.
(d) ابن عساكر: جانبيها.
(c) ق: بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>