للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَرآتُ في كتابٍ وَقَعَ إليَّ يتضَمَّن أخْبَار مُلُوك الفُرْس: ثمّ مَلَك من بَعْدِه - يعني أَرْدَشِيْر- سَابُور بن أَرْدَشِيْر، فعَقَدَ التَّاج على رَأسِه وهو ابنُ عشْرين سَنَةً، وقد كان النَّاسُ آنَسُوا منه فىِ حَيَاةِ أبيه فَضْلًا فىِ إصَابةِ رَأيهِ، وصِحَّة عَقْله، وعُمُوْرة حِلْمهِ، وشِدَّة بَطْشهِ، وبَلَاغَة مَنْطقهِ مع حَزْمهِ ورَأيهِ ويمن نَقِيْبَته، وعِظَم رَأفَته ورَحمَتهِ.

وأمرَ بما في الخَزَائن من الأمْوَال والجَوْهَرِ والأمْتَعهِ، ففرَّق أكْثَر ذلك فيمَن قبلَهُ من الجنُودِ والرَّعِيَّةِ، ووَصَلَ إلى كُلٍّ منهم بقَدْر ما هو أهْله ومُسْتحقّه، وقَدْر حَاجَته إليهِ، حتَّى وَصَلَ ذلك إلى الخاصِّ والعامّ، ونَالَتْ مَنْفَعَتُه القَريْب والبَعِيْدَ، والشَّريفَ والوَضِيْعَ، وسَاسَ مُلْكَهُ بأحْسَن السِّيَاسَةِ، ووَصَلَ إلى رَعِيَّتهِ من اللِّيْن والرَّفَاهَةِ في ولايِتهِ ما اشْتَدَّت مَودَّتُهم له، ورَغْبتهم فيهِ، وحُسْن سَمَاعهِ في النَّاسِ.

فلمَّا مَضَى من مُلْكه إحْدَى عَشْرَة سَنَةً، سَارَ بجُنُودهِ إلى الجَزِيْرَة، فنَزَلَ على نَصِيبِيْنَ فافْتَتَحَها، ثمّ افْتَتَح الرَّقَّة، وأوْغَل في بِلَادِ الرُّوم، فقَتَل منهم مَقْتَلَةً عَظِيمَةً وسَبَى سَبَايا كَثِيْرهً، ثمّ انْصَرَفَ إلى مملَكَتِهِ بغَنائم كَثِيْرة، وقد كان انْتَهى في مَسِيْره إلى القُسْطَنْطينِيَّةِ، وفَي ثلاثَ مَدَائن؛ منهُنَّ جُنْدَي سَابُور، وسَابُور الّتي بفَارِس، وتُسْتَر بالأَهْوَاز.

واسْتَقْبل السِّيْرَة في مَمْلكَته ورَعيَّته بأحسَن ما كان عليه من الجُوْد (a) بالأمْوَال، والتَّخْفِيْف عن الخَرَاج والرَّحمَة للضُعَفَاء، والرَّقَّة عليهمِ، والشِّدَّة على أهْل الرّيْب، والتَّحَرِّي للعَدْلِ، وكان جميع ما مَلَكَ ثلاثين سنَةً وشهرًا إلَّا يومين.


(a) الأصل وق: الجور، ولا يوافق المراد.

<<  <  ج: ص:  >  >>