للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُلْك رَحِمَهُ اللهُ مَوَدَّةٌ، وكان أكْثَر زَمَانهِ عندَهُ؛ رَغْبةً في مُؤانسَته وعِشْرته، فإذا اشْتَاق أَهْلَهُ مَضَى إلى المَعَرّة؛ أقامَ بها بقَدْر ما يَقْضِي مآرِبَهُ ثُمَّ يعُودُ، والمَعَرَّةُ إذ ذاك لشَرَف الدَّوْلَة مُسْلِم بن قُرَيْش، وكان نَازَل جَدِّي رَحِمَهُ اللهُ وهو بشَيْزَر وحَاصَره مُدَّةً، ونَصَبَ عليه عدَّة مَجَانِيْق، وقَاتَل حِصْنًا له يُسَمَّى الجِسْر، ورَحَلَ عنه ولَم يَبْلغُ غَرضًا فعَمل فيه الشَّيْخُ أبو المُعَافَى بن المُهَذَّب (١): [من الطويل]

أَمُسْلم لا سُلّمْتَ من حَادِث (a) الرَّدَى … وَزَرْتَ (b) وَزِيرًا ما شَدَدت به أزْرَا

رَبحْتَ ولَم تَخْسَر (c) بحَرْب ابن مُنْقِذٍ … من الله والنَّاس المذَمَّةَ والوِزرَا

فَمُتْ كَمدًا بالجِسْر لسْتَ بجَاسِرٍ … عليه وعَاينْ شَيْزَرًا أبدًا شَزْرَا

فلمَّا بَلَغَت الأبْيَات إلى شَرَف الدَّوْلَة، قال: مَنْ يقُول هذا القَوْلَ فينا؟ قالوا: رَجُل يُعْرَفُ بابن المُهَذَّبِ من أهْل المَعَرَّة، قال: ما لنا ولهذا الرَّجُل!؟ اكْتبُوا إلى الوَالي بالمَعَرَّة يَكُفُّ عنه وِيُحْسِن إليه؛ فربَّما يكُون قد جارَ عليه فأحْوجَهُ أنْ قال ما قال، وهذا من حِلْم شَرَف الدَّوْلَةِ المَشْهُور.

هكذا ذَكَرَ أُسامَة الأبْيَات، وقَرَأتُ في بَعْضِ تَعَالِيْقي من الفَوَائِد: لمَّا عَزَم أبو العِزّ بن صَدَقَة وَزِير مُسْلِم بن قُرَيْشٍ على حِصَار شَيزَر وأخْذِها من سَدِيد المُلْك ابن مُنْقِذ، قال فيه سَالِم بن عَبْد الجَبَّار بن المُهَذَّب: [من الطويل]

أَمُسْلِم لا سُلِّمْتَ من حَادِث الرَّدَى … تَخِذْتَ وَزِيرًا ما شَدَدت به أزْرَا

كسبْتَ ولَم تَرْبَح بحَرْب ابن مُنْقِذٍ … من الله والنَّاس المذَمَّةَ والوِزْرَا

فَمُتْ كَمدًا بالجِسْر لسْتَ بجَاسِرٍ … عليه وعَاينْ شَيْزَرًا أبَدًا شَزْرا

فلمَّا سَمعَ شَرَف الدَّوْلَة مُسْلِم بن قُرَيْشٍ هذه الأبْيَات، قال: مَنْ هذا الرَّجُل؟


(a) الخريدة: جاذب.
(b) الخريدة: تخذت.
(c) الخريدة: كسبت ولم تربح.

<<  <  ج: ص:  >  >>