للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسَمِعَ بحَلَب شَيْخنا أبا الحَسَن عليّ بن أبي بَكْر الهَرَويّ، وكان لي بهِ اجْتِمَاعِ في المَحَافِل، ولا أعْلَمِ أنَّهُ حَدَّث بشيءٍ، ولَم يكُن له اعْتِناء بالحَدِيْث، وكان دمِثَ الأخْلَاق، حَسَنَ المُنَاظَرة والكَلَامِ، إلّا أنّهُ يُؤذي في المُنَاظَرة مَنْ يَتْكَلَّم معه كَثِيْرًا، وتُوفِّيَ رَحِمَهُ اللّهُ بإرْبِل سَنَة سَبْعٍ وستِّمائة، وبَلَغَتنا وَفَاته فعُقِدَ له العزَاء بحَلَب، في المَدْرَسَة الّتي كان يُدَرِّس بها، وحَضَر عَزَاهُ الأئمَّةُ والقُضَاة وأعْيَان البَلد.

قرأت مِن خَطِّ أبي البَرَكَات المُبارَك بن أحْمَد بن المُسْتَوفِيّ، في تاريخ إرْبِل (١)، وأجَازهُ لنا، قال: الإمَام سُرخَاب المُدَرِّس، هو أبو الفَضْل سُرْخَاب بن أبي الغَرِيْب بن يَحْيَى بن الحَسَن الأُرْمَوِيّ من أُرْمِيَة، إمامٌ عالِمٌ فَقِيْهٌ على مَذْهَب الشَّافِعيّ، إنْ شَاءَ اللّهُ، أقَامَ بحَلَب مُدَّةً يُدَرِّس بها، وكان سَبَب خُرُوجه منها أنَّهُ كان بمَدْرَسَةٍ فيها بِرْكة ماءٍ فيها سَمَك، فغَسَل الفُقَهَاء يَوْمًا ثِيَابَهم، وألْقُوا ماءَ الصَّابُون في البِرْكة فماتَ السَّمَكُ، فأُخْبِر بذلك، فضَرَبَ الفُقَهَاءَ وأخْرَجَهم، فِبَلغَ ذلك المَلِك الظّاهِر غَازِي بن يُوسُف، فأخْرَجَهُ، ورُدَّ إرْبِل، ونَزَل وهو مرِيض بالمَدْرَسَة المُظَفَّريّة، ورَأيته بها، فلم ير الفُقَهَاءُ والمُدَرِّسُ بها مَقَامه بينهم، فنَقَلُوه إلى دار المَضِيْف (a)، وعادَهُ الفَقِيْر إلى رَحْمَة اللّه أبو سَعيد كَوْكَبُوري بن عليّ بن بُكْتِكِيْن، وأمَرَهُ أنْ يُوْصِي في مالِه، وأنْ يَتَصَدَّق بهِ، فقال: يكُون إنْ شَاءَ اللّهُ، ولَم يُوْصِ بشيءٍ وتُوفِّي، وخلَّفَ جُمْلَةً وخَلَّفَ كُتُبًا، ولَم يكُن له وَارِثٌ، غير أنَّهُ أَعْتَقَ جاريةً وغُلامًا، ووَصَلهُما من مالِه. وتُوفِّيَ في حَادِي عَشر جُمَادَى الآخرة من سَنَة سَبْعٍ وستِّمائة، بإرْبِل بدار الضَّيْف.


(a) كذا في الأصل، وترد بعده: دار الضيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>