النَّاس هذا المَوْضِع للنُّزْهةِ به من حَلَب وغيرها، ويَنْحدرُ الماءُ في هذا الجَبَل إلى أسْفَله، فيَجْري في قَريَةِ رِيْحَا، ويَنْتَفعُون به للشُّرب والحَمَّام، ونَفْس القَرْيَةِ إذا حُفِر فيها بئر لا يَصِلُونَ إلى مَنْبع الماء إلَّا بعد مُجاوزةِ ثلاثمائة ذِرَاع، وفي القَرْيَة أبْنِيَة عَظِيمَة من بناء الرُّوم.
وفي هذا الجَبَل، قِبْلي الكَرْسَانِيّ، قَرْيَةٌ يُقالُ لها: كَفَرْ لَاثَا في شِعْبٍ من شِعَابِه فيها عينُ ماء، وتحتها بَساتِيْن تَشْرَب منها، وهي من أَنْزَهِ البِقَاع تُشْرف على كُورَة قِنَّسْرِيْن وكُورَة حَلَب، وكان بها حِصْنٌ مَنِيعٌ اسْتَولَى عليه طنكري الفِرِنْجيّ، وأخَذَهُ من نُوَّابِ رِضْوَان بن تُتُش في سَنة ثَمان وتِسْعِين وأرْبَعِمائة، ففَتَحهُ نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي في سَنة ستٍّ وأربعين وخَمْسِمائَة، وخرَّبَهُ.
وفي قَرْيَةٍ من هذا الجبلِ يُقالُ لها نَحْلَة (١) مَقَابِر يُشَاهِدُ النَّاظِرُ النُّور عليها ليلًا عن بُعْدٍ، فإذا وَصَل إليها لا يَرَى شيئًا، وعليها كِتَابة بالرُّومِيَّة. حَكَى لي صَدِيقُنا بَهَاء الدِّين أبو مُحمَّد الحَسَن بن إبْرَاهِيمْ بن الخَشَّاب، رَحِمَهُ اللّه، أنَّ الأَمِير سَيْف الدِّين عليّ بن قِلْج أمَرَ بأنْ تُنْقَل تلكَ الكابة، ودفَعها إلى بعض علماءَ الرُّوم بحَلَب، فترجَمها فكان فيها: هذا النُّور مَوْهبَةٌ من اللّهِ العَظِيْم لنا، أو ذكَر كلامًا نحو هذا، وفيهِ زِيَادةٌ عليه.
(١) نحلة: قرية في جَبَل الزاوية من قرى منطقة أريحا بمحافظة إدلب، وتبعد عن مدينة أريحا مسافة ٤ كم باتجاه الجنوب الغربيّ، وتُشرف عليها مرتفعات جَبَل الزاوية من الشرق والجنوب. المعجم الجغرافي للقطر العربي السوري ٥: ٤٠٩.