بَعْضِه، فأمَر مَحْمُود بقَتْل وَلَدٍ كان لأبي بشر وبقَتْل أخيهِ فقُتِلَا، وقُطع رأساهمُا وعلِقا في عُنُقهِ، فسُمعَ أبو بِشْر وهو يَقُول:[من مجزوء الرمل]
وَيْح دَهْري ما أمَرَّهْ … ما وَفَى خَيْرُهُ بشَرّه
وحَلَفَ أبو بشرٍ أنَّهُ بعدَما فَعَلَه بابْنهِ وأخيْهِ لا يُظْهر له شَيئًا من مَاله، وقال:
كُلّ مَنْ عندَهُ لي شيءٌ مُوْدعٌ … فهو في حلٍّ منه وسَعَة.
ونَدِم مَحْمُود على ما فَعَل، وأرادَ الرُّجُوع له، وأرْسَل إليه شَافِع بن الصُّوْفيّ أنْ يُقَرِّر عليه شَيئًا ويُطْلقه، فامْتَنع.
واتَّفَق أنَّ مَحْمُودًا اصطَبَح، وقُدِّم إليه طَعَامٌ بعد سُكْرِه، فأَنْفَذَ منه لأبي بِشْر مع فَرَّاشِه، فقام قائمًا وقبَّل الأرْضَ وشَكَرَ ودَعا. فعَرف ابنُ أبي الثُّرَيَّا، فرَكِبَ ولَيَ الفَرَّاشَ ودفَعَ إليه مائة دِيْنارٍ، وسَألَهُ أنْ يقُول لمَحْمُود: إنَّ هذا شَيْخٌ خرِفٌ لأنَّهُ لم يقبل طَعَام موْلَانا، وقال: كَافأه الله وعَجّل عليه! ففَعَل الفَرَّاشُ ذلك.
ودَخَلَ ابنُ أبي الثُّرَيَّا عَقيْبَهُ على مَحْمُود، وجارَاهُ في حَدِيث لا يَتَعلَّق بأبي بِشر، فلم يقبل عليه ووجده مملوءَ القَلْب غَيْظًا من جَواب الفَرَّاش، فقال ابنُ أبي الثُّرَيَّا: اللهُ لا يَشْغَلُ لمَوْلَانا خَاطِرًا، فما أرَاهُ مُنْبَسطًا في مَجْلِسِهِ، ولا مُصْغيًا إلى المَمْلُوك! فحدَّثَهُ بما قال الفَرَّاشُ، فقال: يا مَوْلَانا، لَم تَزَال إليهِ مُحْسِنًا، ويُقَابلُه بالإسَاءةِ، فكيف يكُونُ بعدَ ما جَرَى عليه وعلى ابنِهِ وأخيهِ ما جَرَى؟ وأنا أدْرَى أنَّك تُريد مالَهُ، وقد تَكرَّر قَوْله أنْ لا يُعْطيك شَيئًا. قال مَحْمُود: هذا سَيْفي وخَاتمي خَذْهمُا وامْضِ إليه، فإنْ لَم يُقِرَّ بشيءٍ فاقْتُله.
فقام ابنُ أبي الثُّرَيَّا من عنده بذلك، واشْتَغَل مَحْمُود بالشُّرْب فلَهِىَ عنهُ، وأحْضَر ابنُ أبي الثُّرَيَّا أبا بِشْر فلَم يُطَالبْهُ بمالٍ، بَلْ قال له: ما زلتَ تَتَجلَّدُ حتَّى صرْتَ إلى هذه الحال!؟ فقال: يا قَائِدَ السَّوء، قد عَلِمتُ أنَّ هذا كُلّه من