ماتَ بدمَشْق، ولاحَ لي بقَرَائن الحالِ أنَّهُ كان أوْدعَ كُتُبه بحَلَب عند الإمَام عَلاء الدِّين الغَزنَوِيّ مُدَرِّس الحَلاويَّة بحَلَب، فلمَّا حَضَرهُ المَوْتُ بدِمَشْق وَقَفَ كُتُبه على المَدْرسَةِ بحَلَب.
وقَرأتُ بخَطّه على ظَهْر كتابٍ من كُتُبه المَوْقُوفَة: رَأيْتُ فيما يرى النَّائم بمَرَاغَة، وأنا مُدَرِّسٌ بمَدْرَسَة الخلَيفَة، لَيْلَة الجُمُعَة أواخر ذي الحجَّة سَنَة سَبعٍ وأرْبَعين وخَمْسِمائَة، الشَّيْخَ الإمَامَ الزَّاهِدَ أبا بَكْر مُحَمَّد بن أبي سَهْلٍ السَّرْخَسيِّ رحِمَهُ اللهُ، فنَاوَلني يَدَهُ اليُمْنَى فأخَذْتُها ومَسَسْتُها وقبَّلتُها، وقُلْتُ لهُ: اقْبَلني، فقال لي بالفَارسِيَّةِ: مَنْ أنْ تُوَم، فقُلتُ لَهُ: ومَنْ تُرَا زَانْ تُوَم، ثمّ أدْخَل طرفَ لِسَانه في فيَّ فامْتَصَصْتُه وابتلَعْتُ رِيْقَهُ، وقد أخَذَني وأسْنَدَني إلى حَائطٍ في مَسْجِد كبير وَاسع كأنَّهُ مَسْجِدُ الجَامع، وكان طَلْقَ الوَجْهِ أبْيَضَ أحْمَر، حَسَن العَيْنَيْن، خَفِيف اللِّحْيَة.
قَرأتُ بخَطِّ ظَهِيْر الدِّيْن أبي بَكْر السَّمَرْقنديّ، من شِعْره، على ظَهْر كتَابٍ من كُتُبهِ المَوْقُوفَة بالمَدْرَسَةِ الحَلاويَّةِ: وممَّا ظَهَرَ لي من أَمْرِ الشَّام أنْ قلتُ: [من الكامل]
الشَّامُ كامْرَأةٍ لها دَلٌّ بهِ … شُغِفَ الرِّجالُ وإنَّها حَسْنَاءُ
فاقْنع بِذاكَ وخَلِّهَا بقِناعِهَا … لا تكْشِفَنَّ فإنَّها قَرْعَاءُ
وقَرأتُ أيضًا بخَطِّه على ظَهْر كتابٍ من الكُتُب المَوْقُوفَة بَيْتَيْن من شِعْره هُما (١): [من السريع]
يا زَائِدًا في أكْلِهِ لَقْمَةً … أسْقَمْتَ جسْمًا سَالمًا بالتُّخَمْ