للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعَزم على التَّوَجُّه إلى مِصْر لانْقِطَاع الطُّرُق إلى الرُّوم، فوَرَد قَاصِدٌ من كَيْكَاوُس بكتابٍ إلى المَلِك النَّاصِر يَطْلبُ منه أنْ يُوجِّه إليه الحَكِيمٍ المَذْكُور، وأخْبَرَني القَاصِدُ المَذْكُور أنَّهُ لو وَصَلَ إليه قَتَله، فخَافَ خَوْفًا عَظيْمًا ومَرض، وكَتَبَ إلى الفِرنْج بالسَّاحِل يَطْلُب منهم أمانًا على نفسه ومَاله، فأجَابُوه إلى ذلك، وأقام مَرِيْضًا أيَّامًا، وتُوفِّيَ بدِمَشْق في شَهْر رَبيع الأوَّل من سَنَة سِبْعٍ وخمْسِين وسِتِّمائة، وأوْصَى أنْ يُتَصَدَّق عنه بثُلث مَالهِ، ويُسْتَفكَّ منه أُسَارى، وأسْنَد وَصِيَّتَهُ إلى الأَمِير جَمال الدِّين مُوسَى بن يَغْمُور. ووَصَلَ رَسُوله إلى الفِرِنْج بالأمَان له بعدَ مَوْتهِ، وأحْضَرهُ إليَّ.

وكان الحَكِيم المَذْكُور قد اجْتَمَع بي مِرَارًا، وكان حلو المَنْطق (a)، دَمِث (b) الأخْلَاق، وجَرَى بيني وبينه (c) مُذَاكَرَات، وأنْشَدَني عدَّة مُقَطَّعاتٍ من شِعْره؛ أكْثَرها هِجَاء، فلم أكْتُب عنه شيئًا.

وأنْشَدَني عِمَاد الدِّين علِيّ بن عَبْد الله بن التِّلِمْسَانِيّ بحَمَاة، قال: أنْشَدَني الحَكِيم تَقِيّ الدِّين أبو بَكْر الرَّسْعنِيّ لنَفْسِه، وكَتَبَها على باب شُبَّاكٍ بالجَوْسَق بحَمَاة: [من مجزوء الكامل]

انْظُر إلى أَثَر المُلُو … كِ يَرُعْكَ منهُ الرَّوْنَقُ

فالرَّسْمُ بعد الظَّاعنيـ …


ن لسَانُ حَالٍ يَنْطقُ
عَمَرُوا القُصُورَ وعُمِّرُوا … وتَجَمَّعُوا وتَفَرَّقُوا (d)
وتأبَّدُوا زَمَنًا بها … ومَضَوا كأنْ لَم يُخْلَقُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>