للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنْبَأنَا أحْمَدُ بن أزْهَر بن السَّبَّاك، عن القَاضِي أبي بَكْر مُحَمَّد بن أبي طَاهِر، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن المُحَسِّن بن عليّ بن مُحَمَّد التَّنُوخِيّ، عن أَبِيهِ (١)، قال: حَدَّثَني أبي، قال: كان عندنا بجَبَل اللُّكَام رَجُلٌ مُتَعَبِّدٌ يُقال له: أبو عَبْدِ اللَّه المَزَابِلِيّ، وإنَّما سُمِّي بذلك لأنَّهُ كان يَدْخُلُ البَلَد باللَّيْل، فيَتَتبَّعُ المَزابِل، فيأخُذُ ما يَجِد فيها، فيَغْسله ويَقْتاتُه، لا يَعْرفُ قُوْتًا غير ذلك، أو أنْ يُوغل في الجَبَلِ فيَأكُل من الثِّمَار المُبَاحَات.

وكان صَالِحًا مُجْتَهدًا إلَّا أنَّهُ كان [حَشَويًّا غير وَافِر] (a) العَقْلِ، وكانت له سُوْق عَظِيمَةٌ في العامَّة.

وكان بأنْطَاكِيَة مُوسَى الزُّكُوْرِيّ (b) صَاحِبُ المُجُون، وكان له جارٌ يَغْشَى المَزَابِلِيَّ، فجَرَى، بين مُوسَى الزُّكُوْرِيّ وجَارِه شَرٌ، فشَكاهُ إلى المَزَابِلِيّ، فلَعَنَهُ المَزَابِلِيّ في دُعَائهِ، وكان النَّاس يَقْصِدُونَهُ في كُلِّ جُمُعة، فيَتَكلَّم عليهم ويَدْعُو، فلمَّا سَمِعُوا اللَّعْنَةَ لابن الزُّكُوْرِيّ جاء النَّاسُ إلى دَاره أرْسَالًا لقَتْلهِ، فهَرَبَ ونُهِبَتْ دَارُه، وطلبَهُ العامَّة فاسْتَتر.

فلمَّا طَالَ اسْتِتارُه، قال: إنِّي سَأحْتَالُ على المَزَابِلِيّ بحِيْلَةٍ أتخلَّص منه بها، فأعِيْنُوني، فقالُوا: ما تُريد؟ قال: أعْطُوني ثَوْبًا جَدِيدًا، وشَيئًا من مسْكٍ ومِجْمَرةً ونارًا وغِلْمَانًا يَؤْنِسُوني اللَّيْلةَ في هذا الجَبَلِ.

قال أبي: فأعْطَيْتُه ذلك كُلّه، فلمَّا كان في نصف اللَّيْل، مَضَى وخَرَجَ الغِلْمَان معه إلى الجَبَلِ، حتَّى صَعدَ فَوْقَ الكَهْف الّذي يَأوِي فيه المَزَابِلِيّ، فبخَّرَ


(a) إضافة من النشوار، وفي أخبار الحمقي: إلا أنه كان قليل العقل.
(b) تقدم ذكره في الجزء الثالث باسم: ابن الزكوربة.

<<  <  ج: ص:  >  >>