للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمّ إنَّهُ وَصَلَ إلى حَلَب في سَنَة أرْبَعٍ وسَبْعِين وأرْبَعِمائة، سَيَّرَهُ أبو المَكَارِم لجَمْع أمْوَال حَلَب، وعَدَل عمَّا كان يَعْمله في أوَّل الأمْر من العَدْلِ والإحْسَان، وصَادَر جَمَاعَةً وضاعَف الخَرَاج، وكان أبو المَكَارِم بالقَادِسيَّة، فبَلغَ أبا العِزّ الوَزِير أنَّ مَمْلُوكَيْن أرادَا قَتْل شَرَف الدَّوْلَة أبي المَكَارِمِ، فعادَ من حَلَب إلى القَادِسيَّةِ، فقبضَ عليه شَرَف الدَّوْلَة وحَبَسَهُ وصادرَهُ في سنَة سَبْعٍ وسَبْعِين.

قَرأتُ بخَطِّ أبي عَبْدِ اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد الكَاتِب الأصْبَهَانِيّ (١) في حَوَادِث سَنَة ثَمانٍ وسَبْعِين وأرْبَعِمائة: في صَفَر كان مَقْتَلُ شَرَف الدَّوْلَةِ مُسْلِم بن قُرَيْشٍ، وكان أبو العِزَّ بن صَدَقَة في اعْتِقَال شَرَف الدَّوْلَةِ، فوَرَدَ إلى بَغْداد فارًّا من حَبْسه، وكان قد اعْتَقَلَهُ بعد أنْ وَزَر السِّنِيْن الطَّويلة، ومَهَّد أمْره، ثمّ تغيَّر عليه وقبَضَهُ، فعاتبَهُ بعضُ أصْحَابهِ، فقال: ما آمنُه لأنَّهُ عَازِم على قِتَالِ (a) ابن جَهِيْر، ومُتَوَجِّهٌ إلى حَرْبه (b) ولولا ذلك لأطلَقْتُه، فإنَّني أخَافُ أنْ يَخْرُج منه عليَّ ما لا أتلَافاهُ (c).

وحَبَسَهُ بالرَّحْبَةِ، وسَاعدَهُ ابن الجَسَّار، وعَمل سَفيْنَةً خَفِيْفةً، وأظْهَر أنَّهُ يُريد أنْ يَخْدُم بها شَرَف الدَّوْلَةِ، فلمَّا تَمَّ (d) خَرَج في زيَّ امْرأةٍ من بَيْت عَجُوز إلى جَنْب الحَبْس نقَبَ إليه وخَرج، فلمَّا وَصَلَ إلى الباب قال بعضُ النَّاسِ: هذه الامْرأةُ ما أطْوَلها! فقال ابنُ الجَسَّار: امْسك! قَطَعَ اللَّه لسَانك، لا تَذْكُر حُرَم النَّاس، وكان الفُرَات ناقصًا فلمَّا جَلَسَ في السَّفِيْنَة زَادَ ذِرَاعًا، فانْحَدَر إلى الأرْحَاء ببَغْدَاد، وقَصَدَ باب المَرَاتِب.


(a) م: قتل.
(b) الأصل، م: حرمه، والمثبت هو الأوجه.
(c) م: أتلاقاه.
(d) كذا في الأصل وم، وفوقها في الأصل: "صـ"، ولعل الأظهر: تمت.

<<  <  ج: ص:  >  >>