للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخَذَ عنه أبو بَكْر ابن العَرَبيّ الإمَامُ، صَاحِب كتاب الأحْكَام، وذَكَرَهُ في أوَّل كتابهِ المُسَمَّى سِرَاج المُرِيْدينَ (١)، فقال: وإنِّي وإنْ لَم أكُن مُتَخلِّقًا بما أُوْردُه، ولا ضَابِطًا على ما أعْقدُه، فإنَّ لي قُدْوَةً في شَيْخنا (a) أبي عليّ الحَلَبِيّ خَطِيْب المَسْجِد الأقْصَى، طَهَّرَهُ اللَّه (b)، حَضَرتُ جُمُعَةً فيه، وقد عَلَا على أعوَاد مِنْبَره فخطَبَ:

الحَمْدُ للَّهِ الَّذي تفرَّد دون خَلْقِة بمُلْك الدُّنْيا والآخرة، وغَمَر برزقهِ كُلّ نَفْسٍ برّةٍ وفَاجِرَة، ثُمَّ ردَّهُم بعد ذلك إلى الحَافِرَة {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} (٢).

أحْمَدُه على نِعَمه الوَافِرة، وأشْكُره على آلائهِ المُتَظاهِرة، وأشْهَدُ أنَّ لا إِلَه إلَّا اللَّه، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، شَهَادةً باطِنَةً وظَاهِرة (c)، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُوله، ردَّدَهُ بينِ الأرْحَامِ المُحْصَنَة والأصْلَاب الفَاخِرة، حتَّى أبرزَهُ اللَّه آيةً (d) بَاهِرة، وابْتَعَثَه حُجَّةً قَاهِرة، فقام بأمْرِ اللَّهِ وشَقَاشِقِ الكُفْر هَادِرَة، وبِحَاره زَاخِرة، ودُعُاتهُ ثَائِرة، فلَم يَزَلْ يُجادِل في اللَّهِ بالأدِلَّةِ المُتَنَاصِرة، ويُنَاضِل عن دِيْنهِ بالقَوَاضِب البَاتِرَة، حتَّى أطْفَأ النَّائِرة، وأعادَ العِيْشَةَ النَّاضِرَة، وأصْلَحِ أمر الدُّنْيا والآخرة، صَلَّى اللَّه عليه وعلى آلهِ وصَحْبه ما هَطَلتِ السُّحُبُ المَاطِرَة، وجرَتْ في البِحَار السُّفُن المَاخِرَة.

عِبَادَ اللَّه، عَلَوْتُ على مِنْبَرَكم، ولَسْتُ بخَيْركم، واللَّه (e) لو كانَتِ الذُّنُوبُ


(a) سراج المريدين: قدوة بشيخنا.
(b) سراج المريدين: عمره اللَّه بدعرة الإسلام، مدى الليالي والأيام.
(c) في الأصل بإسقاط الواو، والمثبت من م وسراج المريدين، وبعده في مخطوطة سراج المريدين: ومرجوضة [كذا] عن دنس الشك طاهرة.
(d) ساقطة من م.
(e) م: باللَّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>