للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأسَهُ فِي مُرَقَّعَتهِ لا يَنْظُر إليه، فقُلْنا له يَوْمًا: باسِطْهُ لعَلَّهُ يَخِفُّ عنْكَ، فمَدَّ كَفَّه إليه كالسَّائِل، وهو عنه مُعْرضٌ، فدَفع الفَتَى إليه خَاتَمهُ، فلَبسَهُ أبو العُرَيْبِ، وذَهَب الفَتَى، وأُخْبِرَ أبُوه بذلك، فأرْسَل إلى أبي العُرَيب يَسْتَردّ خَاتم ابْنه، فأدْخَل أبو العُرب إصْبَعَه في فيه يُخْرِج الخَاتم فامْتَنعَ عليه، فلم يَمْلك إصْبَعه (a) أنْ قطع إصْبَعه بأسْنَانهِ، ووضَعَها مع الخاتم في كَفِّ الرَّسُول، وقَامَ فخَرَجَ.

قال أبو القَاسِم: فخَرَجْنا في الفِدَاءِ بعد سِنين، فإذا أنا به في بعض بلاد الرُّومِ، فقُلتُ لَهُ: كيف تَجدُكَ؟ فقال: كما كُنْتُ، قُلتُ: وَيْحَكَ، قد عاش الفَتَى وماتَ أبوه، فلو قَدِمْتَ معنا، فقال: واللَّهِ لا دَخَلْتُ ديار الإسْلَامِ وسرِّي يَعْبُد سِوَاهُ.

ونَقَلْتُ من كتَاب سِيَر السَّلَف، تأليفُ الحافِظ أبي القَاسِم إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد بن الفَضْلِ (١): ذِكْرُ أبي الغَرِيْب الأصْبَهَانيّ، رَحِمَهُ اللَّهُ (b)، لَقِي المُتَقدِّمين من المَشَايخ، أقام بطَرَسُوس بُرْهَةً، ثمّ رجَع إلى مَكَّةَ، ثمّ رَجع إلى شِيْرَاز، فَاعْتَلَّ فيها علَّةً شَدِيدةً وظَننَّا أنَّهُ يَمُوت. فقال: إنْ متُّ بشِيْرَازَ فادْفنُوني في مَقَابِر اليَهُود! فَتَعَجَّبْنا من قَوْلهِ، وسَألْنَاهُ عنِ ذلك، فقال: إنِّي سَألتُ اللَّه عزَّ وجلَّ أنْ يكُون مَوْتي بطَرَسُوس ولا أشكُّ أنْ موْتي هُنالك (c)، فبَرأ من العِلَّةِ وخَرج، وآخِرَهُ ماتَ بطَرَسُوس.

وقال (٢): قال الحُسَينُ بن جَعْفَر: دَخَلْنا على أبي الغَرِيْب بطَرَسُوس وقد ورمَت فخذَاهُ، وشُقّ من وَركِهِ إلى رُكْبَتهِ، وسَالَ منه القَيْح الكَثِيْر وهو بحالةٍ (٣) عَجِيْبَةٍ، فقال له بعضُ أصْحَابنا: كيف أنتَ؟ فقال: كما تَرَى، وبَعْدُ ما قُلْت: مَسَّني الضّرُّ. مات بطَرَسُوسَ.


(a) كذا في الأصل وم!.
(b) في كتاب سير السلف: رضي اللَّه عنه بدل: رحمه اللَّه.
(c) سير السلف: هناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>