للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحَضَر الشَّيْظَمِيُّ، وكان قد تأخَّر، فأنْشَدَهُ (١): [من الكامل]

سُوقَ المَكَارِم آذِني بكسَادِ … شُغِلَ الأكارِمُ (a) عنكِ بالأحْقَادِ

أأخي وما أحْلَى دُعَاءَكَ يا أخِي … هذا وقد جَرَحتْ مُدَاكَ فُؤادِي

أتضِيْمُني وأبي أبُوكَ وإنَّما الـ … ـتَفْضِيلُ بالآباءِ والأجْدَادِ

وبلادُكَ الدُّنْيا ولم تُجْدِبْ ولا اسْـ … ـتَوبَلْتَهَا فلمَ انتجَعْتَ بِلَادِي

يا طَارِقَ الغَايَاتِ غيرَ مُحَاذرٍ … إيَّاكَ فهي مَكَامِنُ الآسَادِ

الآن أعذِرُ حَاسِدِيَّ وحُجَّتِي … في ذَاكَ أنَّكَ صِرْتَ من حُسَّادِي

قُلتُ: قد نَسَبَ بعضُ النَّاسِ البيتَ الثَّاني والثَّالث والرَّابِعَ إلى الأَمِير سَيْف الدَّوْلَة، وزَعم أنَّهُ كَتَبَ بها إلى أخيه؛ وليسَ ذلك بصَحيح، والصَّحيحُ أنَّها للبَبَّغَاء.

قال البَبَّغَاء في تَمَام ما رَوَاهُ عنه ابن نَصْر في المُفَاوَضَة: وكان سَيْفُ الدَّوْلَةِ يُمازحُهُ كَثِيْرًا، ويوْلَعُ به دَائمًا، ويتَبَسَّط الشَّيْظَمِيُّ عليه فَضْل تَبَسُّطٍ ويَحْتَملُه، فقال لنا أبو الفَرَج: كُنَّا بحَضْرَة سَيْف الدَّوْلَةِ ليلَةً من اللَّيالِي، فدَخَل الشَّيْظَمِيُّ، فقال سَيْفُ الدَّوْلَةِ: انظرُوا كيفَ أُجَنِّنُهُ (b) ويَرجعُ، فقال له حين أقْبَل: أي وَقْتٍ هذا يقصَد فيه السَّلَاطين؟ وما الّذي عَرَضَ حتَّى جئتَ فيهِ؟ ولَم يَزَل يُوَبِّخه ويُظْهرُ الغَيْظ منهُ، فلمَّا سَمِعَ الشَّيْظَمِيُّ ذلك رجَعَ، فقال له سَيْفُ الدَّوْلَةِ: إلى أين؟ قال: انْصَرف، فإنِّي قد بلَغْتُ غَرَضي وقضَيْتُ حَاجَتي، قال: وما هي؟ قال: حَضَرْتُ لأُغيْظُكَ، وقد اغْتَظْتَ، ولَم يَبْقَ لي شُغْل! قال: فضَحِكَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ حتَّى اسْتَلْقَى. ثُمَّ قال: بحَيَاتي؛


(a) الأصل، م: المكارم، وصوَّبه ابن العديم في هامش الأصل بالمثبت.
(b) م: أخيبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>