للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلامِهِ أمْرًا بَدِيْعًا، ومن تَأتِيه لِمَا يَحْدُثُ من أحْوَالِ (a) النَّاس سَبَبًا صَعْبًا مَنِيعًا.

قال القَاضِي أبو عَمْرو حَدَّثَني أبو الفَرَج أبَان بن أحْمَد بن أبَان، أحدُ أُمَرَاءِ الثَّغْر وحُمَاته وفُرْسَانهِ، وقد ذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضْلَ أبي القَاسِم بن الحَمَّامِيّ الخَطِيب، وحُسْن فَصَاحَته، فقال: كان بعضُ الأُمَرَاءِ نَادَى بغَزاةٍ عَقَدها، فلمَّا حَضَر المَسْجِدَ الجَامعَ للخُرُوج منه على الرَّسْم، اتَّصَل الشِّتَاءُ، ودَامَت الأمْطَار والأنْدَاء، فتَثَبَّط فَرِيقٌ منِ النَّاسِ عن السَّفَر، وعاينَ أبو القَاسِم وهو على المِنْبَر دُون ما يَعْهَدُ من عَدد مَنْ حَضَر، فَخَطَبَ على رَسْمه، ثُمَّ تَلَا، وأوْمَأ إلى الرَّعِيَّة؛ يَقُول: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} (١)، وأوْمَأ إلى السُّلْطان الحَاضِر، لعَقْد تلك الغَزَاةِ، والخُرُوج فيها، ثُمَّ قال: {وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} (٢)، يُوْمئ إليهِ مرَّةً وإليهم أُخْرى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (٣)، فتجدَّدَتْ نيَّاتُ جَماعَتهِ بمَوْعظَتهِ (b) في خُطْبَته، وتجهَّزتْ طَائِفَةٌ كَثِيْرةٌ منهم للغَزْو مُسْرِعةً من وَقْته الّذي ذَكَرَ فيه وسَاعته، وتخلّى لمَّا بَزُوا إلى ظَاهِر البَلَدِ ما كان اتَّصَل من المَطَر وشدَّته، ورُزِقُوا في غَزْوهم الظَّفَرَ والقَهْرَ والغَلَبَةَ والنَّصْر، وأتَوا بالأعْلَاج مُصَفَّديْن، وبالسَّبَايَا والغَنائِم مُثَقَّلِيْنَ، فاعْتَرفَ مَنْ تجدَّدَت نِيَّتُه لأبي القَاسِم بفَضْلهِ، وَأنَّ غَزَاتَهُ بحُسْنِ اخْتراعِهِ في خُطْبَتِه، وإنْ كان اللَّهُ تَمَّمَ ذلك بعَوْنه وقُدْرَته.


(a) م: يحدث بأحوال.
(b) في الأصل، م: موعظته.

<<  <  ج: ص:  >  >>