للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على سَيْفِ الدَّوْلَةِ، وحتى أنَّهُ من أقْوَى الأسْبَابِ كان في أمْر ابن الأهْوَازِيّ ورَشِيْق النَّسِيمِيّ، ودِزْبَر الدَّيْلَمِيّ، الخَوَارِج عليه (١)، فأسْخَطَهُ ذلك، وكان سَبَبُ اعْتِقَالهِ بعدَ ظَفَره بهم.

ومن جُرْأتِهِ عليه وطَرَائفهِ معه ما حَدَّثَني به أبو القَاسِم، قال: اجْتَمَعتُ يَوْمًا مع القُنَّائِيّ الكَاتِب بأنْطَاكِيَةَ، فذَكَرَ فَضَائِلَ سَيْفِ الدَّوْلَةِ وأطْرَاهُ، ووَصَفَ شَجَاعتَهُ وفرُوسِيَّته، وسَخَاءَهُ وفَهْمَهُ وعِلْمَهُ، فقُلتُ: أنا أفْضُلُهُ في هذه الخَلَّالِ كُلِّها، وأزيدُ عليه بالشَّرَف، فأنا خَيْرٌ منه من كُلِّ وَجْهٍ! فَمَضَى القُنَّائيّ، فَحَكَى ذلك له.

وجِئْتُه بعد يَوْمٍ، فلَّمَا رآني قال للحَاجِب، وهو يَنْظُر إليَّ: أحْضر القُنَّائيّ، فقُلتُ: ولِمَ أَيُّهَا الأمِير؟ قال: ليُعِيْدَ بحَضْرتك كَلَامًا أعادَهُ عليَّ عنكَ، فقُلتُ: ما تَحْتاجُ إليهِ، أنا أذْكُرَه لك! فقال: هَاتِهِ، فأعَدْتُ عليه القَوْلَ من غير زِيَادَةٍ ولا نَقْصٍ، فقال: وما حَمَلَك على هذا؟ فقُلْتُ: غلَطٌ لَم يَضْرُرْكَ اللَّهُ بهِ ولَم يَنْفَعْنِي. فضَحِكَ، وقال: اللَّه حَسِيْبُكَ.

وحَدَّثَنِي أيضًا قال: اضْطُرِرتُ في خَرَاج كان عليَّ بحَارِم، وسُبِّبَ به لقَوْمٍ آذَوْني إلى أنْ بعْتُ حُلِيَّ بعض بَنَاتي وأدَّيْتُ الخَرَاج، ورَكبتُ بعد يَوْم أو يَوْمَيْن فاجْتَمعْتُ مع جَمَاعَةٍ من الأشْرَافِ والكُتَّابِ في طَرِيق المَيْدَان بحَلَب، فاجْتازَ بنا بَدَوِيٌّ قد خَلَعَ عليه سَيْفُ الدَّوْلَةِ وطَوَّقهُ بطَوْق ذَهَبٍ، فقُلْتُ لمَنْ كان معي: أُريكم حُلِيَّ ابْنَتِي؟ ها هو ذا؛ طَوْقٌ في عُنُق هذا البَدَوِيّ، قد أخَذَهُ سَيْفُ الدَّوْلَةِ من غير حَقِّهِ، وصَرَفَهُ في غير وَجْهِهِ، فنَقلَ بعْضُهُم هذا القَوْل إليه، فرَدَّ عليَّ الخَرَاج الّذي كُنْتُ أدَّيْتُه.


(١) انظر خبر خروج ابن الأهوازي والنسيمي والديلمي بمعرفة بني كلاب على سيف الدولة مفصَّلًا في زبدة الحلب ١: ١٤١ - ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>