للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنْبَأنا تاجُ الأُمَناء أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن، عن عَمِّه الحافِظ أبي القَاسِم عليّ بن الحَسَن (١)، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّد بن المُحَسِّن بن أحْمَد بن المِلْحِيّ، من لفظه وكَتَبَهُ لي بخَطِّه، قال: القَائِدُ أبو الوَفَاء، نُزْهَةُ العالَم، وأظْرَفُ بني آدَم، يُنْشِئ نَوَادِرَ أحَرّ من النَّارِ، وأحَادِيْثَ تقصُر عنها الأفْكَار، ويتحدَّثُ أشْهُرًا فلا يُعِيْد حَدِيثًا، ولا يُرَى مُسْتَرِيثًا (a)، بل قد خُصَّ من هذا الفَنِّ بما لَم يُخَصّ به بَشَر، ولا يلحَقُهُ فيه مَنْ نَظَمَ أو نَثَر، ولَم يُرَ في الجَامع المَعْمُور إلَّا مُصَلِّيًا في يَوْمهِ ما فاتَ في (b) أمْسِهِ، فالنَّاس مُجْمعُون (c) على اسْتِحْسَانِ مَقاصِدِه، فيَقفُونَ على مَصَادِره ومَوَارِده، فكان كما قال أبو نُوَاسٍ (٢): [من الوافر]

يُصَلِّي هذه في وَقْتِ هَاذِي … فكُلّ صَلَاتِهِ أبدًا قَضَاءُ

وكان آل وَثَّاب اقتَطعُوه إليهم، وأخَذُوه بكلتَى يَدَيْهم، يَتَنافسُون في الخِلعَ عليه، والإحْسان إليه (d)، ولَزِمَهُمِ سنين كَثِيْرةً إلى أنْ عبثَتْ بهم أيْدِي الزَّمان، وتنبَّهَتْ لهم أعْيُن الحدثانِ، ففَارقَهُم وانْتَقَلَ إلى دِمَشْق، فأقام بها إلى أنْ قَضَى نَحْبَهُ، ولَقي ربّه.

وكان أبو الوَفَاء لَعِبَ بالشِّطْرنَجْ مع وَالدِي (٣) فغَلَبَهُ وَالدِي، وأخَذَ خاتَمهُ مَازِحًا، فعَمِل أبو الوَفَاء بَدِيْهًا: [من البسيط]

يا سَيِّدًا كُفَّ عنِّي أيْدِيَ النُّوَب … مِن بَعْدِ أنْ أشْرَفَتْ نفْسِي على العَطَبِ


(a) كذا في الأصل، وغير مقروءة في م، وموضعها بياض عند ابن عساكر لتعذر قراءتها، ولعل الأظهر: مستريبًا.
(b) م: من.
(c) م: مجموعون.
(d) قوله: "والإحسان إليه" ساقط من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>