للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان من الغُزَاةِ المُجَاهِدين في سَبِيْل اللَّهِ (a)، المَوْصُوفين بالشَّجَاعَةِ والنَّجْدَة والشَّهَامة، وكان مُقِيْمًا بطَرَسُوس بدار رَاغِب مَوْلاه، وهي الدَّار الكُبْرَى.

نَقَلْتُ من خَطِّ أبي عَمْرو عُثْمان بن عَبْد اللَّه بن إبْراهيم الطَّرَسُوسِيّ القَاضِي، من كتَاب سِيَر الثُّغُور، الّذي ألَّفَهُ لابن الفُرَاتِ، قال: وفي هذه الدَّار -يَعْني دَار رَاغِب الكُبْرَى- خَدَم وشُيُوخ من الفُرْسَان المُقَدَّميْنَ، منهم: أبو هِلَال الرَّاغِبِيّ، أدْرَكتُه أنا وهو ابن قَرِيب من مائة سَنَة.

قال أبو عَمْرو: وحَدَّثَني أبو الطَّيِّب يُمْن بن عَبْدِ اللَّهِ الرَّيْدَانِيّ؛ أحَدُ فُرْسَان طَرَسُوس وقُوَّادها، أنَّهم كانُوا في بعض المغَازِي فوافَقُوا (b) العَدُوَّ، فظَفرَ أبو هِلَالٍ الخَادِم الرَّاغِبِيّ بالمرَلُّس (c)؛ أحَدُ فُرْسَانِ الرُّوم، فأخَذَهُ أسِيْرًا، فعَرَّفَهُ المرَلُّسُ نَفْسَهُ، وقال: أبْقِ عليَّ فأنا المرَلُّس، فدَفَعهُ إلى بعض السُّوَّاسِ أو المُكَارِيِّين، وقال له: امْضِ بهِ إلى الأَمِير ثَمِل، وعَرِّفْهُ أنَّكَ أنْتَ أسَرْتَهُ ليَدْفَع إليك ما جَرَى الرَّسْم بمثْلِهِ فيمَن أخَذ أَخِيْذًا، فلمَّا حَصَل عند ثَمل قال له: مَنْ أسَرَك؟ قال: رَجُلٌ خَادِمٌ من حَالِهِ وعَلَامَتهِ، وجَدتُه على فَرَسٍ من شِيَته وآلة وسِلَاح، هو كَذَا وكذا، قال له ثَمل: وما أخَذَكَ هذا السَّائسُ؟ قال: لا واللَّهِ!

فأذِنَ ثَمِل للنَّاسِ في المقَام في ذلك المَنْزل، وكان إذا أقامَ العَسْكَرُ في بلادِ الرُّوم بمكان نُودي: ألَا إنَّ الأَمِيرَ مُقِيمٌ ليتَّسِعَ النَّاسُ في الذَّبائِح وغيرها من المآكلِ، ومَنْ عَرَضَ له قِبَل الأَمِير مُهمٌّ قَصَدَهُ في مَضْربه، فقَضَى وَطْرَهُ.

فلمَّا أقام (d) أتاهُ المُسْلمُونَ بالتَّهْنئةِ بالفَتْحِ وبالظَّفَر بالمرَلُّس، والمرَلُّس جَالِسٌ بقُرْب ثَمل بحيثُ يَرَى النَّاسَ ولا يرَونَهُ، ويَسْمَعُ ثَمِل مُناجاتَهُ، فكُلّما


(a) م: سبيل اللَّه تعالى.
(b) كذا في الأصل، ولعله بتقديم القاف على الفاء، أي من مواقفة العدو ومواجهته.
(c) في م حيثما يرد تاليًا: المركس.
(d) م: قام.

<<  <  ج: ص:  >  >>