للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منكم اثْنانِ، فلمَّا أحْجَم عنه القَوْمُ، قال: ليَخْرُج إليَّ ثلاثة، ثُمَّ لَم يَزل يَزِيدُ حتَّى قال: ليخرُج إليَّ منكم عشرُون! فلمَّا يئسَ انْصَرفَ والرَّشِيد نائم.

فلمَّا انتَبَه الرَّشِيْد خُبِّر بخَبَره فأسفَ واغْتَمَّ لِمَا كان من حُجَّابه (a) إذ لَم يُنبهُوه، فأحْضَر الرَّشِيْدُ قُوَّادَهُ ليَخْتَار منهم مَنْ يبُارزُه فضَجَّ الثَّغْرِيُّون وسَألوا أنْ يَسْمَع منهم، ودَعَا بهم، فقالُوا: إنَّك إنْ وجَّهْتَ رُؤَسَاء أصْحَابكَ مثل يَزِيد بن مَزْيَد، ونُظَرَائهِ فقَتَلَ هذا العِلْج قَتَلَ مَن لا يُعْرف، وإنْ قُتِلَ كان ذلك وَصْمَةً على الإسْلَامِ، وأعْلَمُوه أنَّ فيهم شَيْخًا يُعْرفُ بابن الخَرَزِيّ (b) يَثِقُون بشَجَاعَته، وأنْ يُخْرَج لمُبَارزَتهِ، فإنْ ظَفِرَ فالحَمدُ للَّهِ، وإنْ اسْتُشهدَ فرَجُل من العامَّةِ لا يُؤبَهُ له، فاسْتَصْوب قَوْلَهم.

ودَعَا الشَّيْخَ، وأمَرَ له بفَرِسٍ وسَيْفٍ ودَرَقَةٍ، فقال: أنا بسَيْفي هذا أوثَقُ وعن فَرَسي رَاضٍ، وأخَذَ الدَّرقَة وخرَجَ إلى العِلْج ومعَهُ عشرونَ يُشَيِّعُونه، ويَدْعُون له، فلمَّا بَصُر بهم العِلْج، قال: إنَّما كانت الشَّريطَةُ أنْ يَبْرُزَ إليَّ عِشْرون منكم، وقد زدْتُم على العَدَدِ واحدًا! فقالوا له: ما يَخْرُج إليك منَّا إلَّا رَجُل واحدٌ، فلمَّا التقَيا (c) تَطَاعَنا بالرِّمَاح حتَّى تكسَّرَتْ، وبالسُّيُوف حتَّى انْثَنَتْ، فبينما هما كذلك إذ انْهَزَم ابن الخَرَزِيّ، واتَّبَعَهُ العِلْجُ، وارْتَفع صِيَاح الرُّوم بالجذل والاسْتِبْشَار، ودَخَلَ المُسْلمِيْنَ بذلك جُبْنٌ شدِيْدٌ، وإنَّما كان ذلك حِيْلةً من ابن الخَرَزِيّ، فرَمَاهُ بوَهَقٍ معه، فإذا هو في حَلْقِهِ، وحَطَّهُ عن سَرْجهِ، وأتَى به يَسْحَبُه، فكَبَّر المُسْلمُون تَكْبيرةً تَضَعْضَع بها الرُّومُ، وقال الرَّشِيْدُ: لا قَوَام لهم بعد قَتْل العِلْج، فاحْملُوا عليهم، فحَمَلُوا على الجَيْشِ، فكان هذا السَّبَب في فَتْحِ هِرَقْلَة.


(a) بعده في الأصل: "حيث"، وضرب عليه.
(b) في م حيثما يرد تاليًا: ابن الجزري.
(c) م: التقت.

<<  <  ج: ص:  >  >>