للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَرأتُ بخَطِّ القَاضِي أبي المَكَارِم مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك (a) بن أِبي جَرَادَة الحَلَبِيّ: حَدَّثني الشَّيْخُ الإمَامُ الأَمِينُ أبو الحَسَن عليُّ بن عَبْدِ اللَّهِ بن مُحَمَّد بن أبي جَرَادَة رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أنَّ بعضَ بني سِنَان الحَلَبيِّيْنَ كانت له (b) حُجْرٌ مُقرِبٌ من الخَيْلِ العِتَاق في زَمَانِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ أبي الحَسَن عليّ بن حَمْدَان بحَلَب، وكان يَسْكُنُ بها بدَرْب العُدُوْل، وِجَمَاعَة أهْل حَلَب يَوْمئذٍ يَرْتَبِطُونَ الخَيْل العَرَبيَّةَ ويُعِدُّونَ العُدَدَ للقاءَ الرُّوم، ومُجَاورَة الثُّغُور، وشَنِّ الغَارات عليهم في أكْثَر الأوقَاتِ، وكان سَحرَ كُلّ يَوْم يَنْزل من بَيْته إلى المَسْجِد المَعْرُوف بالغَضَائِريّ دَاخِل باب أنْطَاكِيَة، يُصَلِّي بالنَّاسِ فيه.

ويُقال إنَّهُ أوَّل مَسْجِدٍ بُني بها، لأنَّ أبا عُبَيْدَة بن الجَرَّاح لمَّا فَتَحَها دَخَلَ من البابِ، واخْتَطَّ ذلك المكانَ، وأمرَ أنْ يُبْنَى مَسْجِدًا فبُنِي، وهو الآن أعْمَر ممَّا تقدَّم.

فصَلَّى بهم الفَجْرَ في بَعْضِ الأيَّام، فلمَّا سَلَّم ودَعَا، أقْبَلَ على الجَمَاعَة، وهو جَالِسٌ في المِحْرَابِ، فقال لهم: قد رَأيْتُ في هذه اللَّيْلةِ مَنامًا سَرَّني، وأسْأل اللَّه أن يُحقِّقَهُ لي يَوْم القِيامَة، ثُمَّ قصَّهُ عليهم، فقال: رَأيْتُ كأنَّ القِيامَة قد قامَت، وقد جُمعَ الخَلْقُ للحِسَاب، ونُصِبَ المِيْزَانُ ومُنَادٍ يُنَادِي: يا فُلَان ابن فُلَان (c)، فيُحْضَر ويُحَاسَب، وِتُوضَع أعَمالهُ في كفَّتَيه، والكَاتِب يُحْصيْهَا، فَمن ثَقُلَتْ حَسَناتُهُ أُمِر به إلى الجَنَّةِ، ومنْ ثَقُلَتْ سيِّئَاتُه أُمِرَ بهِ إلى النَّارِ، وقد رَأيْتُ في ذلك المُجْمَع هَوْل المُطَّلعَ، ثمّ نَادَى المُنَادِي باسْمِي، فأُحْضِرتُ ونُشِرَتْ صَحِيْفَتي، وَوُزنَتْ حَسَناتي وسَيِّئاتي، فرجَحَت سَيِّئاتي، فأُمِرَ بي إلى النَّارِ، فسُحِبْتُ وبي من الهَلَع ما لَم يُسْتَطَعْ، وإذا المُنَادِي يَصِيح: ردُّوه، فرُدِدْتُ، وقيل للوَزَّان: ضَعْ هذا في


(a) م: عبد اللَّه، وأورد ابن العديم الحكاية إلى آخرها في كتابه التذكرة ٨٥ - ٨٧.
(b) م: لهم.
(c) م: يا فلان، يا ابن فلان.

<<  <  ج: ص:  >  >>