باللهِ يا بَكْثَرِيُّ قُلْ لي … مَقَالَةَ الصَّادِقِ الصَّدُوقِ
أشَعْرُ أُذنَي أخِيْكَ أزكَىْ … عِنْدَكَ أم زَرْعُ نَهْرِ بُوْقِ
فَخجِلا، وأقْبَل ابن رُوْميّ يَغْتَاظُ ولا يتهَيَّأ التَّعَرُّض لِمَا يَكْرَهُ، فنَظَر إليه الحَلَبِيُّ على تلك الحال فقال، وكان ابنُ رُوْميٍّ ألْثَغَ، فقال: [من المجتث]
إنْ كُنْتَ أنكَرْتَ قَوْلي … يا ألْثَغَ الكُتَّابِ
فجئْ بأُذْنِ شَبيهٍ … لمِثلِهِ في الكِلَابِ
حتَّى تَقُولَ بأنِّي … أخْطَأتُ فيهِ صَوَابي
فوَثب البكْثَرِيُّ لينصَرِفَ، فأَسَرَّ إليه ابنُ رُوْميّ شَيئًا كأنّهُ أقامَ به العُذرَ عندَهُ، ثُمَّ أقْبَل على الحَلَبِيّ فعَذَله ووَثَب فوَثَبْنا لوَثْبته، فقال الحَلَبِيُّ: [من مجزوء الكامل]
إنْ كُنْتَ قُمْتَ لأنْ أقُو … مَ فَبابُ دَارِكَ لي مَنَاصُ
لي إنْ أرَدْتُ مُخَلِّصٌ … مِنكُمْ وما لكُمُ خَلَاصُ
لأجْرَحَنَّكَ يا ابنَ رُوْ … ميٍّ بما فيهِ القُمَاصُ
فلقد رَأيتُ ابنَ رُوْميٍّ يَضْحَكُ إليه ويُمَسِّح أعْطَافَهُ وما يَثْنيهِ عن الباب شيءٌ، حتَّى خَرَجَ وخَرجْتُ أنا بخُرُوجهِ، فبَصُر بي الحَلَبِيّ خارجًا عن الدَّار، فوقَع لي عندَهُ ذاك أحْسَنَ مَوْقعٍ، فأنْشَأَ يَقُول: [من الخفيف]
إنَّ فَضْلَ الأدِيْب إنْ حُصِّل الخَلْـ … ـقُ على غيرِهِ لفَضْل مُبِيْنُ
لَم يُطِقْ حَمْلَ ما سَمِعْتَ أبا بَكْـ … ـرٍ فبادرْتَ والفُؤَاد ضَميْنُ
لا تُفَكِّرْ في كانَ وارْم بها العُرْ … ضَ وفَكِّرْ إنْ شِئْتَ فيما يكُونُ
وقال: واللهِ لأهْجُونّه، والله لأهْجُوَنَّهُ! وكَرهْتُ أنْ أزيد في المَعْنَى، وانْصَرفتُ على الجُمْلَة، فكان إذا رآني والصِّبْيَان يَعْبَثُون به يقصدُني فتُهمُّني