حَاكِمًا يَحْكُم على مَذْهَبِ أبي حَنِيْفَة بحَلَب، فذُكِرَ له الكَرْدَريّ، فسَيَّرَ إليه وعَرَض عليه القَضَاء، فامْتَنعَ! وقال: بنو الشْهرَزُوريّ لا أقْدر على النِّيابةِ عنهم. فسَيَّر إِليه نُور الدِّين، وقال له: أنتَ نائبُ نُور الدِّين لا غير، وليس للقاضِي علمِكَ أمْرٌ ولا ولايهَ، فأجابَ وتَوَلى القَضَاء. فَجَعَلَ أبو حَامِد بن القاضِي يَقُول: امضُوا إلى النَّائِب، وقُولوا للنَّائب! فغَضِبَ القاضِي الكَرْدَريُّ من ذلك، وتبيَّنَ الغَيْظ في وَجْهِهِ. فقيل له: لستَ إلَّا نائب نُور الدِّين!
فَجَعَل بعد ذلك يُمْضِي القَضايا على ما يَخْتار اسْتقلالًا، فكان عنده غُلَامٌ جَعَله لمجلِس الحُكْم يُدْعَى سُويْدًا، يُحْضِر الخصُوم إلى مَجْلِسِ الحُكْم، فَحضَر بعضُ التُّجَّار وادَّعى أنَّ له على نُور الدِّين دَعْوَى، فقال الكَرْدَريُّ لسُوَيْدٍ: امْضِ في طَلَبِ نُور الدِّين، وادْعُهُ إلى مَجْلِس الحُكْم، وعرَّفه أنَّهُ حَضَرَ شَخْصٌ يَطْلب حضُوره، فَمضَى سُوِيدًا في طَلَبِ نُور الدِّين، فقيل لنُور الدِّين: إِنَّ تاجِ الدِّين الكَرْدَريّ قد أرْسَلَ سُويدًا يَطْلُب المولَى إلى مَجْلِس الحُكْم! وذَكَرَ أنَّهُ حَضرَ تاجِرٌ، وذَكَرَ أنَّهُ له دَعَوى شَرْعِيَّة على المَوْلَى، فقال نُور الدِّين: يُحْضَر الفَرَس حتَّى نَرْكب إِليه، السَّمْعُ والطَّاعة. قال اللهُ تعالَى:{إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}(١).
ثُمَّ نَهضَ ورَكِبَ حتَّى دَخَلَ باب المَدِيْنهَ، فاسْتَدعى سُوَيْدًا، وقال له: امْضِ إلى القاضِى تاج الدِّين، وسَلّم عليه، وقُل له: إِنَّني جئْتُ إِلى هُنا امْتِثالًا لأمْرِ الشَّرْع، وهذا وَكِيلي يَسْمَع الدَّعْوى، وإِنْ تَوجَّهتْ علَيَّ يَمينٌ أحْضُرُ إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى.
قال: فَحضَرَ الوَكِيل الدَّعْوَى، وسَمعَ الدَّعْوى، وتَوَجَّهَت اليَمين، فقال الكَرْدَريُّ: تَوَجَّهَت اليَمين، فليَحْضُر، فلا بلَغَ نُور الدِّين ذلك اسْتَدْعَى التَّاجِرَ وأصْلَحَ الأمْرَ فيما بينَهُ وبينه وأرْضَاهُ.