وقَدَّمَهُ القاضِي مُحْيي الدِّين أبو المَعالِي مُحَمَّد بن عليّ بن مُحَمَّد بن يَحْيَى الفَرَسيّ، ومالَ إليهِ حتَّى نَفَقَ على السُّلْطان المَلِك العَادِل سَيْف الدِّين أبي بَكْر مُحَمَّد بن أيُّوب بن شَاذِي، رَحِمَهُ اللهُ، فقَلَّدَهُ قَضَاءَ العَسْكَر، وسَيَّرَهُ إلى المُلُوكِ والرَّسَائل. وقَلَّدَهُ عِدَّة مَدَارِس بدِمَشْق، منها مَسْجِد خَاتُون؛ ظَاهِر مَدِيْنة دِمَشْق، ومَدْرسَة باب البَرِيد، ومَدْرسَة خاتُون أيضًا.
ولَم يَزَل كذلك إلى أنْ حَدَثَت بينَهُ وبين وَزِيْره الصَّفِيّ مُحَمَّد بن عَبْد بن عليّ بن شُكْر وَحْشَةٌ، خافَ منها على نَفْسِه. وكانَ المَلِك العَادِل قد سَيَّرهُ رَسُولًا إلى حَلَب المَحْرُوسَة وإلى الدِّيار الشَّرقيَّة.
وكان قد اتَّصَلَ إلى وَالدِي، رَحِمَهُ اللهُ، فلمَّا وَرَدَ حَلَب، عرضَ عليهِ السُّلطان المَلِك الظَّاهِر المقام بحَلَب، وضَمِنَ له أشْياء، فأجابَهُ إلى ذلك. وسارَ إلى الدِّيارِ الشَّرقيَّة لأدَاء الرِّسالة، وعادَ إلى حَلَب، فأقامَ بها، وسَيَّرَ جَواب الرِّسَالة إلى المَلِك العَادِل. ووَلَّاهُ المَلِكُ الظَّاهِر مَدْرسَة شَاذْبَخْت، رَحِمَهُ اللهُ.
وحَكَى له أنَّهُ لمَّا سَيَّرَهُ المَلِك العَادِل في هذه الرِّسَالة، تَلَطَّفَ في طَلَبِ الدُّسْتُور بألْطَف حِيْلَة، وذلك أنَّهُ قال: قد عَلِمَ مَوْلانا أنَّني قد تأهَّلْتُ بحَلَب، وأنا أسْتَخدمُ الإذْن الكَريم عندَ أهْلِي، عند قَضَاء شُغْل السُّلْطان، فأذِنَ له في ذلك، ظَنًّا منه أنّه يُقِيم مُدَّة ثُمّ يَعُود.
ولم يَزَل بعدَ ذلك مُقِيمًا بحَلَب، إلى أنْ وَلَّى المَلِكُ الظَّاهِر افْتِخارَ الدِّين أبا هاشِمِ عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْلِ العبَّاسِيّ الهاشِميّ، رَحِمَهُ اللهُ، رئاسة أصْحاب أبي حَنِيْفَة، فاسْتَوحَشَ ذلك، وتَرَكَ مَنْصِبه، وسارَ إلى حَمَاة. فأنْزَلَهُ المَلِكُ المَنْصُور أبو المَعالِي مُحَمَّد بن عُمَر بن شَاهَنْشَاه بن أيُّوب بها، وأكْرمَهُ ووَلَّاهُ المَدْرسَةَ النُّورِيّة بها.