وقَرَأتُ في رسالةِ علىّ بن منْصُور الحَلَبِيّ، المعْرُوف بدَوْخَلَةَ، وهي الّتي كَتَبها إلى أبي العَلَاء بن سُلَيمان، وأجابه عنها برسَالة الغُفْران، وذَمّ فيها أبا الطَّيِّب المتنَبِّي، وقال (١): وذَكَر ابن أبي الأزْهَر والقُطْرُبُّلِيُّ في التَّاريخ الّذي اجتَمَعا على تَصْنِيفه، أنَّ الوَزِير عليّ بن عِيسَى أحْضَره إلى مَجْلسه، فقال له: أنت أحْمَدُ المُتَنَبِّي؟ فقال: أنا أحْمَدُ النَّبِيَّ، ولي علامَةٌ في بَطْني؛ خاتَم النُّبُوَّة، وأراهُمْ شبيهًا بالسَّلْعَة على بَطْنه، فأمرَ الوَزِير بصَفعه فصُفِعَ وقُيِّد، وأمرَ بحَبْسه في المُطْبَق.
ثمّ طالعْتُ التَّاريخ المُشَار إليهِ، فقَرَأتُ فيه في حَوَادِث سَنَة اثْنَتَيْن وثَلاثِمائة، قال: وفيها جَلَسَ الوَزِيرُ عليّ بنُ عِيسَى للنَّظَر في المَظَالِم، وأحْضَر مَجْلسَهُ المُتَنَبِّي وكان مَحْبُوسًا ليُخلي سَبيله، فناظرَهُ بحَضْرَة القُضَاةِ والفُقَهَاء، فقال: أنا أحْمَدُ النَّبِيّ، ولي علامةٌ في بَطْنِي، خاتَم النُّبُوَّة، وكشَفَ عن بَطْنه وأراهُم شَبيهًا بالسَّلْعَة على بَطْنِه، فأمرَ الوَزِير بصَفْعه فصُفِعَ مائة صفْعَة، وضَرَبه وقَيَّده، وأمَرَ بحَبْسهِ في المُطْبَق.
فبانَ لي أنَّ أبا الحَسَن عليّ بن مَنْصُور الحَلَبِيّ، رأى في تاريخ ابن أبي الأزْهَر والقُطْرُبُّلِيّ ذِكْر أحْمَد المُتَنَبِّي فظَنَّهُ أبا الطَّيِّبِ أحْمَد بن الحُسَين، فوقَع في الغَلَط الفَاحِش لجَهْله بالتَّاريخ، فإنَّ هذه الوَاقِعَة مَذْكُورَة في هذا التَّاريخ في سَنَة اثْنَتَين وثَلاثِمائة، ولم يكُن المُتَنَبِّي وُلد بَعْدُ، فإنَّ مَولده على الصَّحيح في سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثِمائة، وقيل إنَّ مَولده سَنَة إحْدَى وثَلاثِمائة، فيكون له من العُمْر سَنَة واحدة. وأبو مُحَمَّد عَبْد اللهِ بن الحُسَين الكَاتِب القُطْرُبُّلِيّ، ومُحَمَّد بن أبي الأزْهَر ماتا جميعًا قبل أنْ يَتَرعرع المُتَنَبِّي ويُعْرَف.
وهذا المُتَنَبِّي الّذي أحْضرَهُ عليُّ بن عِيسَى هو رَجُل من أهل أصْبَهَان تنبَّأ في
(١) رسالة ابن القارح المعروف بدوخلة (منشورة مع رسالة الغفران) ٢٢٥، وانظر الخبر في تذكرة ابن العديم ٢٤٦، والمقفي للمقريزي ١: ٣٦٩.