وقَبَضَ عليه أبو مُحمَّد لُؤْلُؤ السَّيْفِيّ بخَدِيعَةٍ خَدَعَهُ بِها، وذلك أنَّه أنفذَ إليهِ أنْ يَدْخُلَ إليهِ إلى حَلَب، وأوْهَمَهُ أنَّه يصير من قبله، فلمّا حصل عنده قبَضَ عليه وجعله في القَلْعَة مُكرمًا، لأنَّه كان يُهَوِّل به على الرُّوم.
قال أبو غالب هُمَّامُ بن المُهَذَّب: ورأيتُه أنا وقد خَرَجَ مباركُ الدَّوْلَة سَنَة ستٍّ، وله شَعْرةٌ، والمُصْحَفُ في حِجره على السَّرْج وهو يَقْرأُ فيه.
ونقَلتُ من خَطِّ يَحْيَى بن عليّ بن عبد اللَّطيف بن زُرَيق المُؤرِّخ: وفي سَنَة خَمْسٍ وتِسْعين ظَهَرَ رَجُل غَازٍ (a) مُتَزَيِّ بزيِّ الفُقَرَاءِ، ومعه خَلْقٌ كَثِيْرٌ من العَرَب يُسَمَّى أحْمَد بن الحُسَيْن أصْفَر تَغْلِب، ويُعْرف بالأصفَر، وتَبِعَهُ وصَحِبَهُ رَجُلٌ من العَرَب يُعْرفُ بالحَمْلِيّ، وأَسرى في جَمَاعَة من العَرَب وغيرهم مِمَّن اجتمع إليهِ، ولَقِي عَسْكَر الرُّوم فأخَذَهُ وكَسَرَهُ إلى أرْتاح.
وسار يُريد أَنْطَاكِيَة نحو جِسر الحَدِيْدِ، فلقيَهُ بِطْرِيْق من بَطَارِقَة
السَّقْلَارُوس في عَسْكَر كان معه، فقُتِلَ الحَمْلِي وانْهَزَم الأصْفَر إلى بَلدِ سَرُوج، فانْتَهى إلى المَاخُسْطرس أنَّ الأصْفَر سَاكنٌ في الجَزِيرَة، في ضَيْعَة تُعرف بكَفْر عَزُون (١) من عَمَلِ سَرُوج، وهي ضَيْعَةٌ كبيرةٌ ولها سورٌ، فقصَدَهُ في عَسَاكِره وعَبَر الفُرَات، ونازَل كفْر عَزُون، وكان قد اجتَمع إليها أكثَر أهلِ تلكَ الأعْمَال لحَصَانَتها، وأقام ثَمانية عَشَر يومًا وفتَحها وأخذ منها اثْنَى عَشَر ألف أسِيْر وغَنَائم كَثِيْرةً، وحُرَم الأصْفَر، وهَرَبَ هو باللَّيْل.