دِمَشْق كما يَجْلس التِّلْمِيذ بين يَدي الأُسْتَاذ، ثمّ إنَّه رَغِبَ عن القَضَاء ومَال إلى الزُّهْد والانْقطَاع، وطَلَبَ من المَلِك الأشْرَف الإقَالَة من القَضَاء، وأنْ يأذن له في الحَجّ، فأَجابَهُ إلى ذلك، وحَجَّ إلى بيت الله الحَرَام، وأرْسلَهُ المَلِك الأشْرَف في رسالةٍ إلى سُلْطان الرُّوم كَيْقُبَاذ بن كَيْخُسْرُو، فتوجَّه إليه، واجْتازَ علينا بحَلَب في سَنَة أرْبَعٍ وثَلاثين وسِتّمائة، ثمّ إنَّهُ وَلِيَ القَضَاء بعد ذلك مرَّةً ثانيَةً، فبقي قَاضِيًا بها، ومرض مَرْضةً بحُمُّى السِّلّ، وتُوفِّي بدِمَشْق في سَنَة سَبعٍ وثَلاثينِ وسِّتمائة، وكُنْتُ إذ ذاك رَسُولًا بمِصْر، فبلغَتني وفاتُه وأنا بها.
وكان بيني وبينه اجْتماع ومُخالَطة بحَلَب ودِمَشْق، وسَمعَ معي بحَلَب الحَدِيْث. وكان حَسَن العِشْرة، حلو العِبَارَة في بَحْثهِ، مُوَفَّقًا في أحْكَامه، لا تأخُذه في الله لَوْمَهَ لَائِم، ولا يُراعِي في أحْكَامه ذا سُلْطان لسُلْطانه ولا ذا جاهٍ لجاهه، بل يَرْي على سَنَن الحَقّ وطَريق العَدْل.
وكان قد سَمعَ بنَيْسَابُور المُؤيَّد بن مُحَمَّد بن عليّ الطُّوْسيّ، وحَدَّثَ عنهُ بدِمَشْق بشيء يَسِيْر، وصنَّف عِدَّة تَصَانيف منها: كتاب في تفسِيْر سُوْرة الإخْلَاص، وكتاب في الفَرَائِض وتَعْليْلها وبَيان الحِكْمَة في مَقاديْرها، وكتاب في النَّفْس.
وأخْبرَني ولده أنَّهُ تُوفِّي في السَّابِع من شَعْبان سَنَة سَبْعٍ وثَلاثين وسِّتمائة.
وأخْبَرَني جَمال الدِّين أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عليّ بن الصَّابُونِيّ، قال: سألتُ القَاضِي شَمْس الدِّين الخُوَيِّيّ عن مَوْلدِه، فقال: في سَنَة ثَلاثٍ وثمانين وخمْسِمائَة بِخُوَيّ، وذَكَرَ غيره في شَوَّال.
وقَرأتُ بخَطِّ عَبْد العَزِيْز بن عُثْمان الإرْبليّ: تُوفِّي قاضِي القُضَاهَ شَمْسُ الدِّين أبو العبَّاس أحْمَد بن الخلِيل بن سَعَادَة بن جَعْفَر بن عِيسَى الخُوَيِّيّ يَوم السَّبْتِ سَابع شَعْبان سَنَة سَبع وثَلاثين وسِّتمائهَ، ودُفِنَ من الغَد بسَفْح جَبَل